يثير النزاع الحاصل حالياً بين التوجه الانفصالي أو الاستقلالي، في كاتالونيا والحكومة المركزية الإسبانية، قضية هامة تتعلق بمنهجية التعامل المختلف والمتناقض، الذي تتعامل به ما يسمى بالبلدان الغربية، عندما يتعلق الأمر بالمطالب الاستقلالية في أراضيها، مقارنة مع ما يحصل في المناطق الأخرى من العالم.
فعندما يتعلق الأمر بمشكل الباسك والكاتلان في إسبانيا، وكورسيكا في فرنسا، وإيرلندا في بريطانيا العظمى، والكيبيك في كندا، ومشكلة الفلاندروالفالون في بلجيكا … واللائحة طويلة، يتم التعامل معها بمنطق التجاهل والتعتيم، والقمع في الكثير من الأحيان.
تكاد لا تخلو أية دولة غربية من حركة أو حركات انفصالية، ونفس الأمر يتعلق بمختلف البلدان في كل القارات، لكن ما يهمنا هنا، هو كيفية التعامل مع هذا الإشكال من طرف الدول الغربية، إذ أنها تتجاهل كل هذه الحركات التي تقع فوق أراضيها، بينما تُنٓشّط الحركات الأخرى في باقي بلدان العالم حسب المصلحة، وتبحث لها عن المسوغات في القانون الدولي، كما حصل مع أغلب الدول العربية، حيث دعمت بريطانيا وأمريكا الانفصال في جنوب السودان، وتم تدويل قضية الصحراء المغربية، وفرض الانفصال تقريبا في الجزء الكردي من العراق، بينما تجري المساعي والمؤامرات حثيثة لتقسيم ليبيا وسوريا واليمن، والمس بالدولة المصرية في سيناء، وتنشيط كل الحركات الانفصالية، كيفما كان حجمها.
ونفس النهج تسير نحوه منظمات المجتمع المدني في البلدان الغربية، وحركات التضامن وغيرها من الآليات، التي تسير في اتجاه موقف السياسة الغربية،
حيث إن الصين نفسها لم تٓنْجُ بدورها من هذه المنهجية «الانتقائية»، فقد حولت الدعاية الغربية، رجل الدين، الدالاي لاما، في إقليم التيبت إلى زعيم قومي، بينما تتعايش في الصين مئات الأديان واللغات والقوميات.
ويتجلى التعامل الانتقائي، بوضوح، في موقف الغرب مما يسمى بالقضية الكردية، فبينما يتم تشجيع «الاستقلال»، في العراق وسوريا، يحظى الأكراد في تركيا بالتجاهل المطلق، بناء على معاهدة لوزان، الموقعة سنة 1923، مع مصطفى كمال أتاتورك، والتي رسمت حدود الدولة التركية، بضم الأكراد، وهي المعاهدة التي نقضت سابقتها، معاهدة سيفر، التي أقرت بوطن قومي للأكراد، سنة 1920، طبقاً لمبدأ الرئيس الأمريكي ويلسون، حول تقرير المصير، لكن المصلحة اقتضت تغيير المبدأ.