سمعت مرارا، في الآونة الأخيرة، من وزراء سابقين وفاعلين عموميين من مستويات عليا للغاية وذات ارتباطات استراتيجية بما يقع في البلاد عبارة» “لبلاد واقفة، واقفة واقفة” ، بإلحاح” العبد الفقير إلى الله سبحانه وتعالى..
واقفة تفعل ماذا؟
تنتظر…
و تبدو الانتظارية، غير ملائمة للسقف السياسي الذي خلقه خطاب العرش، ولعل المفارقة في الوضعية المغربية الحالية هي أن هذه الانتظارية، “على الأقل” في شقها الأكثر سلبية أعقبت أفق انتظار واسع، وجد جد إيجابي فتحه الخطاب أعلاه..
ما الذي وقع حتى أصبح المغرب »شبه واقف»، والحال أن النقاش السياسي الذي خلفته مرحلة ما بعد الانتخابات كان غنيا للغاية، وفيه تمارين كثيرة غير مسبوقة؟
في تمرين على الفراغ لا يعادله سوى الفراغ نفسه تترك الطبقة السياسية، وعلى رأسها الحكومة الوقت يمر، وهم في حالة جمود واضح..
ولا أحد يمكنه أن يخمن ما الذي سيحدث، ومن أين ستهب العاصفة..
الوضع الحزبي في المغرب يساعد على هذا البطء في دورة الزمن السياسي: هناك مؤتمرات تنتظر انعقادها، وهي مرتبطة أشد الارتباط بالدورة السياسية التي بدأت في ما بعد سابع أكتوبر، ويبدو أن الحزب الذي يقود الحكومة، يفرض إيقاعا هو من صميم تفاعلاته الداخلية، وبوضوح أكبر، ما زالت مرحلة ما بعد عبد الإله بنكيران لم تحسم بعد، ولا تبدو ملامحها واضحة للعيان..
أول نقطة : هي أن الخطاب خلق وضعا جديدا، بتزامنه مع التحقيق الذي أمر به ملك البلاد في ما يتعلق بالمشاريع التي يحضر توقيعها أو، أحيانا، يدشن انطلاقتها وتقف، والتي كانت وراء الاحتقان غير المسبوق في الريف الكريم..
ومازال الانتظار هو السيد في هذه القضية، وفي كل توقيت جديد ينتظر الرأي العام ما الذي سيكشفه التحقيق..
ثانيا :التحقيق لا بد من أن تترتب عليه مسؤوليات، وبما أن المبدأ مبدأ دستوري فلا شك بأن المترتبات ستكون دستورية!
وفي هذا نسأل أي فصل سيستجيب للمرحلة التي يكشف عنها التحقيق، وبمعنى آخر فإن التحقيق، عندما سيتثبت المسؤوليات سيثبت المحاسبة، وهي تتعلق بعشرات المسؤوليات ومنهم وزراء، والوزراء في الحكومة المرتبة على قاعدة انتخابات سابع أكتوبر لا بد لها من أن تخضع للترتيب الدستوري:
وهو ترتيب هل سيكون جزئيا أو كليا؟
هل ستحافظ الأغلبية على هويتها وتفقد من طبيعتها؟
أو ستفقد الهوية والطبيعة معا، وتؤول لما هو خارج ترتيبات صناديق الاقتراع؟
ثالثا :أي فصل في الدستور يمكن أن يساير المرحلة المقبلة، « الفصل 51 الفصل 42 من جديد أو تركيبة أخرى، بمعنى هل التغيير الذي سيشمل الوضع التنفيذي سيكون شاملا أو جزئيا، هل ستظل الهندسة المؤسساتية المترتبة عن محادثات التشكيل هي نفسها أم ستتغير ؟
رابعا: الخطاب تحدث عن وضع يتسم بعدم الثقة: وهو ينسحب على الوضع العام، وإذا كان الجزء الأساسي السياسي فيه أوضحه ملك البلاد، فإن الجزء الأهم والعميق هو انعدام الثقة لدى الفاعل الاقتصادي المنتج للثروة والمنتج للسيولة الاجتماعية…
خامسا: الأغلبية التي تشكلت لم تصل إلى حالة وضع ميثاق يحكمها، بالشكل الذي يقوي رئيس الحكومة، بقدر ما أن ظلال الأستاذ عبد الإله بنكيران ما زالت ترخي بثقلها على الجهاز التنفيذي..
لم تقابل أية أغلبية إشكالية الميثاق بالقدر الذي يمكن أن تقابله اليوم أغلبية الدكتور العثماني ، عن حق:
من جهة تلتقي الأغلبية من خلال أحزابها، وإذا كان الموضوع لا يطرح بالحدة التي يمكن أن نتوقعها بالنسبة للعديد من الأحزاب، فإن القضية بالنسبة للحزب الأول في الحقل السياسي وفي الحكومة..معقدة نوعا ما:
من جهة أخرى، تكون الأغلبية انعكاسا للرضا السياسي - الموضوعي- بين الأطراف المكونة، وهو رضا حاضر ومادي موجود..
وفي هذه الحيثيات، هل يمكن لأحد أن يغامر بالقول إن الأمين العام للعدالة والتنمية الأستاذ عبد الإله بنكيران سيزكي أي ميثاق لا يحضره أو يحضره نائبه الأستاذ العمراني؟
لا أعتقد بأن الوضع السياسي والمناخ المصاحب له يسمح بالرد بالإيجاب..حقا!
وهذا الوضع المتشابك، لا يمكن تصور حله إلا في أفق مؤتمر العدالة والتنمية، ومصير عبد الإله بنكيران نفسه ، بالرغم من الحسم القانوني الذي يمنعه من تواجد قادم على رأس الأمانة، لكن الأشياء تسير بكيمياء ليست هي دوما الجدلية القانونية..
سادسا: هناك وضع آخر مرتبط بأحزاب أخرى بعضها لا يمكن إلا أن نحترم مستقبلها وحياتها لأنها غير مرتبطة بالشأن العام ، وتدبير الدائرة العمومية للشأن العام ذاته..ولكن من المرجح، وذكاء المغاربة أجمعين يعرفون بأن الوضع لن يستقر بدون وجود وضع سلس في هذه الأحزاب، وأن تأثيرها على محيط الفعل الحكومي لا يمكن أن يغفلها الباحث الموضوعي بالأحرى الشريك في »الاستفزاز» الديموقراطي..
سابعا: لا تقوم الحكومة فعليا بما يمكن أن يخلق وضعا جديدا يمكنها من تجاوز حالة الترقب والانتظارية:
فهل يمكن أن يفكر سياسي فاعل في الانتظارية كحل… للترقب، أو في الانتظارية كحل للرد على التباس الأوضاع في هذا الحزب أو ذاك من المؤثرين في سيرها؟
أبدا:الحكومة مطالبة بأن تكون دينامو الحياة السياسية، كما هو منصوص عليه دستوريا وسياسيا وميدانيا، ولا يمكنها أن تتجاوز وضعية الجمود بالانتظارية و لا الانتظارية بوضعية التوقع!
لا يمكن انتظار فرصة أو مناسبة أو شرط ايجابي للتحرك، ذلك لأن الفاعل الحقيقي هو الذي يخلق الشرط الذي يمكنه من تجاوز الانتظارية..
الاثنين 11 شتنبر 2017.