أفادت وكالة فرانس بريس ما يلي: »أفادت وسائل إعلام مغربية، الأربعاء، عن محاولتي وساطة لإنهاء أزمة الاحتجاجات الاجتماعية في بعض مناطق الريف بشمال المغرب.
ويتولى إحدى الوساطتين فاعلون في المجتمع المدني بينهم الناشط نور الدين عيوش، بحسب صحيفة( أخبار اليوم) التي نقلت عن عيوش أنه أنهى وساطته مع قادة الحراك الاجتماعي ونقل تقريرا بهذا الشأن إلى الجهات “العليا” دون مزيد من التوضيح.
وأوضح أنه أجرى ثلاثة لقاءات تباحث فيها مع عناصر قيادية في سجن بالدار البيضاء، إضافة إلى لقاءات أخرى مع معتقلين في مدينة الحسيمة وأقاربهم ومسؤولين أمنيين وفي قطاع التربية.
كما تجري محاولة أخرى لإنهاء أزمة الاحتجاجات تتولاها “المبادرة المدنية للريف” التي تضم بعض الناشطين في المجتمع المدني، بحسب بيان نقلته الصحف المحلية.
والتقى هؤلاء أيضا قيادات مسجونة من الحراك الاجتماعي ودعوا السلطات إلى الاستجابة “للمطالب المشروعة لسكان” المنطقة و”الإفراج عن المساجين”. والإحالة على المصدر هنا، لا باب لفهمه سوى أن الملف أصبح يثير بالفعل انتباه الإعلام الأجنبي الواسع الانتشار..
وقد صار موضوع تفكير متعدد الأطراف ومتعدد التوجهات، وإن كان الهدف منه الأسمى هو إيجاد مخرج للوضع المعلق في الريف، مع توالي الأحكام القاسية التي قوبلت باستغراب شديد من لدن الرأي العام (الطفل الذي يبلغ من العمر 13 سنة والذي كان الأجدر تركه لمقعده في المدرسة مع الموسم الجديد)!
صار واضحا أن خطاب العرش الأخير رفع سقف الانتظار إلى أبعد مدى، سواء وهو يعدد نقط الضعف الرهيبة في الجسد السياسي المغربي أو وهو ينتقد علاقات الثقة بين الفاعل المركزي في النظام المغربي، أي ملك البلاد وبين بعض السياسيين، من الذين يصنعون سياسة البلاد وحكامتها العرجاء..
الوساطة الاجتماعية المطلوبة اليوم، وبالاساس في صلب الحراك الريفي الشعبي، لها منطلقاتها أو على الأقل مبادؤها العامة:
ومنها بناء أو إعادة بناء التماسك الاجتماعي وتقويته،
بناء أو إعادة بناء عبر الوساطة التي تقوم بها جهات مختلفة العلاقات بين الأفراد، وهم هنا ساكنة الريف كله والحسيمة خصوصا وباقي المؤسسات ذات القرار.
بناء وإعادة بناء الثقة من أجل حل الوضعيات التوترية والتناحرية أحيانا، عبر وسطاء هم الآن من المجتمع المدني…
وهي وظائف كلها سياسية!
والحال أن الفاعل السياسي هنا، وهو موضع انتقاد مركزي ثم موضوع نفور جماعي، لا يحضر كطرف فاعل في النزاع الحاصل، بل كطرف يشكل غيابه الطابع المستفز للمشكلة..
ففي حقيقة الأمر هناك طرفان: الدولة من جهة، ممثلة في كل ترسانتها القانونية والسياسية والمؤسساتية والقضائية والسجنية والأمنية ..
والمناضلون والساكنة في الطرف المقابل..
ولحد الساعة عندما غادر الناس أماكنهم إلى الفضاء العام وجدوا إما ملك البلاد أو رجل الأمن، وغابت التأطيرات السياسية لأسباب ليس هنا مجال شرحها..
والحال أن الوسائط التي تتم الآن، بعقيدة المجتمع المدني أو بسبب فهم معين للسياسة كما لدى السيد نورالدين عيوش، هي عمق ما يجب أن تكونه السياسة…، فالحديث عن الوساطة هو حديث في السياسة والحال أن السياسة تعيش أزمة حقيقية في بلاد المغرب الأقصى، ليس أقل مظاهرها ما قاله ملك البلاد في خطاب العرش الأخير ..
وقد يكون تاريخيا أو غير مسبوق، لكنه، من هذه الزاوية بالذات خطاب مقلق ويثير التخوفات كلها، الواضحة والمواربة..
ومن الواضح أيضا أن بعض أعوان الدولة -حتى لا أقول خدامها – قد يعتبرون أن أي وساطة يجب ألا تخرج عن الطريق السالك قبلها، بمعنى أن الوساطة لا يجب أن تشكل حدثا نوعيا أو استثنائيا!
بعض عناصر الوساطة تحمل بذور ضعفها في ذاتها، كما هو حال نورالدين عيوش الذي سبق له أن أعلن موقفا واضحا من تدخل الملك في القضية، والحال أن الملك قد أشار في خطاب العرش نفسه إلى الموضوع، وكان جوهر القضية هو ما كشفته أحداث الريف..
أضف إلى ذلك التحقيق الذي أمر به، مباشرة بعد المجلس الوزاري، والذي وضع الحكومة والمسؤولين فيها سابقا في قفص الاتهام، عوض الساكنة..
ومن الواضح أن التململ السياسي والاجتماعي الحالي يفرض نفسه، بسبب السعي إلى تحقيق تحرر أكبر في الحركة والتعبير..عن المطالب، وهي حركية تقتص من الممارسة التقليدية للسلطة..كما أن الوساطة »تولد من المطمح ذاته «.. المتعلق بإعادة النظر في العلاقة مع السلطة..
لقد كتب جان لويس لاسكوو صاحب كتاب «ممارسة الوساطة المهنية» و«قد تصير وسيطا، وربما فيلسوفا« يقول:لكي تكون الوساطة ذات قيمة، لا بد من أن تمنح فرقا له مصداقية.. وهو ما يعني أنه اختيار سياسي، لأن الوساطة هي بالضرورة ممارسة السياسة..
وفي ذلك ما يدعو إلى التساؤل:هل الوساطة الآن إعلان آخر عن إفلاس السياسة المتعارف عليها مؤسساتيا؟
سؤال مشروع مادامت السياسة مبعث حذر وحيطة.