الإرهاب علاقة بين طرفين، طرف يمارس الإرهاب، وطرف آخر يقع عليه الإرهاب. وهي علاقة متبادلة وليست أحادية الاتجاه، طرف يمارس الإرهاب، وطرف يمارس عليه الإرهاب على طول الخط. فالإرهاب متبادل بين الفاعل والضحية ، وفي علاقة جدلية بينهما، ومن ثم كان السؤال من يرهب من؟ من الفاعل ومن المفعول؟ من البادئ بالإرهاب، وما نتيجته؟ من الذي يرهب ومن الذي يقاوم؟ من الجاني ومن الضحية؟ من المعتدِي ومن المعتدَى عليه؟
والاتجاه الواحد في العلاقات في الثقافة الغربية لا يميز الإرهاب وحده، بل ينطبق أيضاً على بقية المفاهيم التي أفرزها الغرب في السنوات العشر الأخيرة، مثل العولمة والتي تعني فقط توحيد المركز دون تفتيت الأطراف، وحقوق الإنسان التي تعني فقط الفرد وليس المجموعة، الإنسان وليس الشعوب، وصدام الحضارات الذي يصف لحظة واحدة في تفاعل الحضارات لحظة الصراع، وهي اللحظة الغربية، ويستبعد لحظات أخرى من حوار الحضارات، مثل الحضارة الإسلامية في الأندلس غرباً وفي بغداد والبصرة شرقاً، والعالم قرية واحدة دون أن تذكر العوالم الثانية في الغابات والصحاري، وجزر المحيطات! ونهاية التاريخ الخاص بالحضارة الغربية وسيادة الرأسمالية، بعد سقوط الأنظمة الاشتراكية واستبعاد بداية التاريخ الذي تشعر به الشعوب في أفريقيا وآسيا، في الوطن العربي والعالم الإسلامي.
فالغرب يستعمل المفاهيم التي ينتجها بمعنى واحد وفي اتجاه واحد. يعبر بها عن وجهة نظره الأحادية، من المركز إلى الأطراف، ومن الأنا إلى الآخر، كنوع من النرجسية، وهي مع ذلك، للمفارقة، الحضارة التي تزهو بالتعددية، وتفخر بالرأي والرأي الآخر، وتعتز بالنسبية في الأحكام في الداخل، أما في الخارج فهي تطلق الأحكام، وتتعصب لها. وتصبح من ملاك الحقيقة المطلقة أسوة بالأصوليين الذي تحاربهم وتتهمهم بالتعصب والإرهاب.
ومن مظاهر هذه الازدواجية في مفهوم الإرهاب، عدم التمييز بين الإرهاب والمقاومة، الإرهاب عمل غير مشروع، محاولة قضاء طرف على الطرف الآخر، كما يفعل الكيان الصهيوني في فلسطين، وكل القوى الاستعمارية ضد الشعوب المستعمرة. أما المقاومة، فعمل مشروع من الطرف الثاني ضد الإرهاب الأول مثل المقاومة الفلسطينية في الأراضي المحتلة، وكل حركات التحرر الوطني إبان الحقبة الاستعمارية الغريبة منذ القرن التاسع عشر، والتي بلغت الذروة في الخمسينيات والستينيات من القرن العشرين في أفريقيا وآسيا وأميركا اللاتينية. وكانت المقاومة حقاً مشروعاً في الغرب ذاته في فرنسا أثناء الاحتلال النازي، وفي أميركا ذاتها أثناء الاحتلال البريطاني. ونظراً لأن المقاومة في العصر الحديث عادة ما تكون لقوى المهيمنة، وهي القوى الغربية، اتهمت أحياناً بالإرهاب والعنف وخرق حقوق الإنسان لتشويه المقاومة، والإبقاء على الهيمنة، ما يضطر المقاومة للدفاع عن شرعيتها أولاً قبل أن تقاوم الهيمنة الفعلية.
لذلك ميزت أدبيات العنف في أميركا اللاتينية بين العنف القاهر Oppressive Violence والعنف المحرر Liberating Violence الأول السبب، والثاني النتيجة. الأول الفعل، والثاني رد الفعل. الأول قد تمارسه الدولة والجيش هناك، والثاني يحدث عند الفلاحين والعمال والمثقفين. ولما كان العنف يكثر في بعض النظم التي لا تسمح بحرية التعبير كانت أية محاولة لمقاومتها توصف بالعنف. ولما كانت أجهزة الاستعمار آنذاك تمارس العنف بالسلاح قامت حركات المقاومة بالسلاح، عنفاً بعنف.
ونشأت جيوش التحرير الشعبية والوطنية في الجبال وخارج المدن أو داخلها، كما حدث في معظم دول أميركا اللاتينية وأفريقيا، وفي الصين. والمقاومة السلمية والعصيان المدني أحد أشكال المقاومة، تقوم على قوة الإرادة في مواجهة السلاح، قوة الحق في مقابل حق القوة.
ويشهد التاريخ أن النصر باستمرار كان لمصلحة المقاومة و«العنف المحرر»، بحسب التعبير اللاتيني، ضد الهيمنة والعنف الاستعماري القاهر. وقام لاهوت التحرير في أميركا اللاتينية بإعطاء الشرعية لـ«العنف المحرر» ضد العنف القاهر.