تنافست العديد من الجهات في الترحيب ، رسميا وليس عبر مواقف فردية، بتعيين الرئيس الألماني السابق كوهلر ، موفدا أمميا للأمين العام للأمم المتحدة.
وقد كانت البوليزاريو أولى الجهات المرحبة، لأسباب ظلت طي الغموض، قبل أن تتراجع عنها بصيغة مهذبة!
وتدعو إلى«تقديم مساهمتها ومساعدتها لإنجاح مهمة المبعوث الشخصي للأمين العام»، ثم مطالبة الأمين العام ومجلس الأمن بوضع حد للشلل، وغير ذلك من الأوصاف التي تتميز بها المفاوضات!
وهو ما يعني بأنها لم ترحب لقناعة بل للالتباس في الموقف.
ومن جهتها، نوهت مدريد في بيان لوزارة الشؤون الخارجية والتعاون، بإعلان الأمين العام للأمم المتحدة عن عزمه إعادة إحياء جهود المفاوضات بين الأطراف بدينامية وروح جديدتين».
قبل أن يضيف البيان، الذي يمكن أن يستغرب السرعة التي صدر بها«،أن اسبانيا تدعم الدور المحوري للأمم المتحدة في البحث عن حل سياسي عادل ومستديم ومقبول من قبل جميع الأطراف»، أي العودة إلى المربع الأصلي في من يملك القرار في القضية ، أي الأمم المتحدة..
المغرب لم يعرب عن أي موقف احتفالي من تعيين الرئيس الألماني الأسبق كموفد أممي، وعلى عكس اسبانيا والبوليزاريو، يبدو المغرب كما لو أنه تعامل «ببرود» مع هذا التعيين..وربما لا يتعلق ذلك بميل المغرب إلى اللغة - أو الصمت - الدبلوماسي أكثر من الاحتفاء..بل بقراءة حذرة للموقف.
كيف؟
لا بد من إعادة ترتيب الأشياء على ضوء المقتضيات المتعلقة بالملف، ثم بناء على الأوضاع التي ترتبت عن عمل الموفدين الأمميين..وذلك لاعتبارين اثنين:
الاعتبار الأول يكمن في كون المسؤول الأول في ملف القضية الوطنية هو مجلس الأمن..
و الاعتبار الثاني يكمن في أن المسؤول الثاني هو الأمين العام، وبالتالي فإن الموفد الأممي هو الطبقة الثالثة أوالمستوى الثالث، أي أنه بعد مجلس الأمن،
يأتي الدور على الأمين العام ، الذي يقدم مقترحاته إلى الهيئة الأممية، وهو يبنيها، على تقرير موفده إلى الصحراء….
فالموفد إلى الصحراء - حتى وهو يقوم بعمله على أحسن وجه - يكون في الواقع غير معني مباشرة ويمكن لأي طرف أن يواجه أطروحاته..
ويبدو أن المغرب اختار أن ينظر إلى القضية من منظور التجربة – التي امتدت منذ 1991 على الأقل - وأن يحتكم إلى مجلس الأمن مرارا في خلافه مع الموفدين ( كريستوفر روس كنموذج) ثم مع الأمناء العامين ( بان كيمون كنموذج واضح وبليغ )..
وكدولة، فهو يعتبر بأن الطرف الذي يجب المراهنة عليه في تحريك الملف هو مجلس الأمن نفسه..
وليس هناك قوة تفوق قوته في تحريك؛ القضية.. لأن الأمين العام يظل في نهاية المطاف هو من يطبق قرارات مجلس الأمن في تحديد الملف وتحريكه..
وعليه لا يتوقع المغرب، في ما يظهر، أن يشكل التعيين الجديد، بعد كل ما تم تراكمه، حدثا لتغيير معطيات الملف ..
العنصر الآخر في تحديد السلوك الرصين للمغرب مع التعيين هو أن التعيين نفسه تم بعد موافقة المغرب، وبالتالي فليس من الذكاء ولا من الحرفية إعلان «السعادة»« بتعيين أعطى المغرب الموافقة عليه..
سيبدو وكأن في الأمر مسحة من مسرح غير موفقة، كما قد يكون البعض قد سارع إلى ذلك..
من المحقق في النهاية أن التعيين الجديد قد خضع لأجندة زمنية تأخرت قليلا عن الموعد المحدد في أبريل الماضي، وقد كانت وراء ذلك اعتبارات تم التنبيه إليها في حينها.. ولا بد من انتظار القادم من المواقف لتسليط المزيد من الضوء..
غير أن سلوكات المناصرين الشوفينيين للبوليزاريو وتحركات البعض فيهم من »الانتحاريين» قد تسعفنا في قراءة تستحضر زوايا أخرى غير زوايا الأمم المتحدة…
( من قرصنة جنوب إفريقيا إلى بلطجة موزمبيق …)…