في الماضي القريب كنا نهتز عند حدوث عملية إرهابية في إحدى بقاع العالم مندهشين أمام وحشيتها و متعاطفين مع ضحاياها. أصبحت العمليات الإرهابية متواترة ومتسارعة تتحدى جميع المقاربات الأمنية المتبعة غير مبالية بالمعالجات العقلانية التي تستهدف أسباب شيوع الظاهرة، فأضحت بذلك واقعا يفرض التعايش معه.
أصبحنا نتكلم بكثرة عن التطرف، الفكر الظلامي، صناعة العنف، الفوضى الخلاقة،عولمة الفقر، الشرعنة الدولية عوض الحديث عن العلم، السلم، الفن، الروح، الشرعية الدولية، التضامن، الخ. واقع مرير غني بالتناقضات يعكس همجية القوي المستبد وضعف حيلة المعدوم.
يظل الإرهاب ملازما للوجود البشري بسبب نزعات العدوانية والأنانية وجنون العظمة، غير أن حدة انتشاره وتوظيفه ربما بلغت مستويات غير مسبوقة. تم تسليط الضوء على الإرهاب داخل المنطقة العربية إلى درجة ربطه بالديانة الإسلامية التي أضحت متهمة بإنتاج جموع منفذي عملياته من خلال جماعات متطرفة تقف وراء مسار احتضان و تأطير ضحايا يتحولون إلى وحوش ضد كل ماهو إنساني.
كانت العمليات الإرهابية تحدث وبكثافة داخل الجغرافيا العربية ولازالت، غير أن هذه الجغرافيا تمددت وتوسعت إلى البقاع الغربية، فأصبحنا نشاهد عمليات في قلب العواصم الأوروبية تستهدف العامة في مناطق عمومية مكتظة وفي أوقات الذروة. مما جعل الغرب يعتبر نطاقه هدفا لحرب هوجاء تستهدف أمنه القومي.
لايشك احد في كون أن العالم العربي يشكل تربة خصبة لقيام عمليات إرهابية. الناس تعاني وتكابد تحت وطأة فشل المشاريع التنموية لحكومات متعاقبة ومن إيديولوجيات مختلفة تسببت في انتشار الفقر والبطالة والتخلف بجميع مظاهره. كما أن نفسية المواطن العربي تصارع اليأس بجميع أنواعه افقده أي أمل في غد أفضل يحيى فيه معاني العزة والكرامة، بل على العكس من ذلك يرى أن الحيف الذي يعيشه أصبح قدرا ملازما له باستفراد طبقة معينة بالحكم وخيرات البلاد دون إغفال مسالة فشل عملية الإصلاح الديني في بداية القرن المنصرم واستفحال تفشي الفكر الظلامي بجميع انحرافاته في خضم مناهج تربوية عقيمة، مما يدفع بعض اليافعين إلى الإقبال على الانتحار هروبا من جحيم الواقع. الوضع برمته يجسد قابلية للاختراق والاستعمار من طرف من يتسنح الفرص.
يتحمل الغرب الوزر الأكبر في الوضع الكارثي الذي تعيشه الدول العربية . كما هو معلوم فالنهضة الأوربية ارتكزت خلال أحد أطوارها على التوسع الخارجي والتدخل المباشر في الدول الفقيرة لنهب المواد الأولية واستغلال مواردها البشرية في انجاز المشاريع الكبرى وتصريف منتجات الدول الأوربية. كما أن الرأسمالية المتوحشة فرضت منافسة شرسة ليس بمقدور شركات الدول المتخلفة الدخول في أطوارها، فتكرست بذلك معادلة المنتج – المستهلك / دول المركز – دول الهامش العدم المسموح بتغيير ادوار الفاعلين فيها. الدول الغربية لازالت تتحكم في مجريات الأحداث بالدول العربية وتفرض وصايتها من خلال اختيار النخب التي تخدم مصالحها وتزكي استغلالها للموارد الحيوية وإن بدا ذلك بطريقة راقية وغير مباشرة. تتم محاربة أي عملية إصلاح جدية أو رؤية لتنمية ذاتية مستقلة عن تبعية الغرب بإشعال فتيل الفتنة و البلقنة داخل الدولة الواحدة لإضعافها واستهداف أي بوادر ممانعة ممكنة للحفاظ على المخيال الاجتماعي والسياسي القائم والذي يعد السبب المفصلي في تخلف الأمة. الغرب كان مؤثرا في ماضي الدول العربية ويتحكم في حاضرها ويريد تحديد مستقبلها.
الغرب يتباهى بقيم الديمقراطية التي أنجبها لكنه لا يتبناها خارج حدوده بل يستعملها كسلاح للإطاحة بأنظمة تمردت على وصايته أو استوفت ما طلب منها من تعليمات واملاءات.
الغرب يكتوي بنار أشعل فتيلها من خلال الجماعات المسلحة التي أوجدها أو مولها أو استعملها كورقة ضغط على حكومات معينة بغية ابتزازها وفقا لأجندة مصالحه. فمبدأ النفعية لدى الدول الغربية لا يستمد من مكارم الأخلاق والأعراف الإنسانية وإنما يجد مدلوله في المصالح الآنية والمستقبلية. فهل الإرهاب صنيعة الغرب أم فقط رد فعل اتجاه واقع معين ؟