تعيد العمليات الإرهابية الجديدة، التي ضربت جغرافيات متعددة في أوروبا، من شمالها (فلندا) إلى جنوبها (إسبانيا)، في نهاية الأسبوع الماضي، التي أكدت تقارير أمنية أن أغلب منفذيها مغاربة، تعيد إلى الواجهة سؤال التحدي الذي يواجهنا في بلداننا لمواجهة ظاهرة التطرف الديني ،لأنه يسائل في العمق البنية التربوية والسلوكية والروحية والوجدانية، التي يصنع من خلالها الفرد المغربي في علاقته مع ذاته ومع العالم.
صحيح أن الإرهاب ملة واحدة، في كل الثقافات والهويات بالعالم، وأنه ترجمان لأزمة عدم توازن في تنظيم منطق المصالح دوليا . وترجمان أيضا، لمنطق إقصائي غالب في العلاقة بين الشمال والجنوب، تقدم الجثث العائمة في بحيرة الأبيض المتوسط، بعضا من عناوينه الأخرى المفزعة والمؤلمة. لكن، علينا رغم ذلك، الاعتراف بأن التوجه الذي يذهب إليه التطرف الديني، باسم الإسلام، عنوان بارز لأزمة قيم في بلداننا العربية والإسلامية، من حيث تغوله، وعدم امتلاكه لسقف سياسي أو سقف مشروع مجتمعي، غير تغول العنف من أجل العنف، ومن أجل الترويع، الذي هو الاستراتيجية الدائمة عبر التاريخ، للفاشية.
إن من الدروس التي تعنينا مغربيا، في تأمل مآسي ما ينفذه بعض من شبابنا وأبنائنا المغاربة، من عمليات إرهابية متطرفة، بأوروبا وبالعراق وسورية، هو إلحاحية امتلاك شجاعة مواجهة الغول النائم بيننا، الذي اسمه التطرف، والذي ينسل إلى عقول شبيبتنا، عبر نظم تواصلية متراكبة، تبتدئ من التعليم (الذي لم نعرف بعد ما الذي نريد منه كأفق استراتيجي لصناعة الفرد)، إلى الإعلام، إلى شبكة التواصل، إلى مؤسسة العائلة. مثلما أن تراجع قيم التضامن وقيم العمل الجماعي في معناه التطوعي البناء، الذي كانت تصنعه مؤسسات اجتماعية خلال العقود الماضية، والتي حوربت بشراسة لأنها مستقلة وغير متوافقة مع منطق الطاعة الأصولية للموت، هو الذي يجعل عقول تلك الشبيبة المغربية، القلقة على وجودها ضمن دورة الحياة، تصبح فريسة سهلة أمام هذا التطرف العابر للقارات، بحسابات فوق مغربية وكونية. ما يجعل في المحصلة، أن أبناءنا أولئك، هم مجرد أدوات تنفيذ سهلة، ضمن ماكينة رهيبة للتطرف العالمي.
وإذا كانت كل جهة في العالم، ستقرأ العمليات الإرهابية الجديدة، من موقع مصلحتها الخاصة، فإنه أولى للمغرب، الذي راكم تجربة مشهود لها في حماية الثغور من الخلايا القاتلة، كما صار مرجعية في كل مستويات الأمن:الروحي والعقدي والأمني والترابي، أن يقرأها أيضا من موقع مصالحنا الحيوية الوطنية، وأن أول تلك القراءات أن نسائل، باستمرار وبانتباه دائم ، مشروعنا المجتمعي، ومؤسساتنا السياسية، ومنظومتنا التربوية والسلوكية، وأن ندرك أن ربح المستقبل هو في تمنيع روح المغاربة، من خلال إعادة إحياء روح الوطنية، كسقف عال في وعيهم الوجودي، ذاك الذي يترجم الإحساس بالإنصاف والمشاركة، وذاك الذي يعلي من القيم الإنسانية، الممجدة للحياة، المنتصرة على اليأس.