أحد أشكال التعبير عن الغضب مما وقع في إسبانيا وفنلندا، وربما روسيا، هو الشعور المغربي بنوع من اختناق في الهوية..
شعور الذي يدرك، في لحظة بروستية ملتبسة، وهو يستيقظ، أن عليه أن يجيب بدون يقين حاسم: : من أنا
ومن هذا القاتل الذي يشترك معي في سرير الهوية الواسع؟
قد يدفعنا الاختناق الذي نشعر به الى إعفاء العقل من التباس الروح..
لكن علينا أن يفكر العقل المغربي أنه أصبح جزءا لا يتجزأ من الدول: المشتل لصناعة البارود البشري
وقد يستميل التحليل الموضوعي البارد ليضع المغرب ضمن سلة الأصقاع التي تأكلها أورام الإرهاب.
قد يكون من الأفيد ، في سياق الرعب الدولي، أن نذكر أن المغرب قد حمى نفسه، بقدرة «البركة» والمثابرة الأمنية المشهودة من كل وحوشه ، التي نمت هنا أو التي تغذت من عناصر بقاء خارجية..
وٍقد نسير الى القول بأن الذي يحدث هو أن الداعشي لم يستطع توجيه المغاربة ضد بلادهم فأراد، في بؤس العاجز، أن يوجههم ضد الآخرين لا سيما الدول التي يسعى الى الشراكة معها، أو التي يشاركها أفقها الإنساني..
بمعنى استعمال أبناء «العدو القريب» ضد بلاد «العدو البعيد» بلغة القاعدة.. وروافدها الأكثر جنونا في تاريخ البشرية..
ويكون المضارع في الصيغة الحالية لقراءة العمليات الارهابية هو طريقتنا جميعا في تنسيب اليقين الذي يضعنا من جهة الانتماء..
غير أن الذي يفرضه الوضع الحالي على المغاربة هو شعورهم بأنهم ضحايا على أكثر من مستوى:
أولا: تحويل أبنائهم، من الأفق المفتوح الذي اختارته البلاد الى أفق مغلق، وجاءت به القراءات القاتمة والقاتلة للوجود الديني في القرن الحالي..
ثانيا تعطيل قوة جزء من أبنائهم الحيوية في بناء هوية حضارية جديدة، والدفع بها الى مواجهة العالم، وبالتالي تشديد الحصار على الانتماء المغربي، والشبيبة المغربية ووضعها في قفص اتهام موجود سلفا لدى القوى اليمينية المتشددة والنزعات الهوياتية القاتلة في الاقطار المتضررة..
والحال أن شباب المغرب لا يسلم من كل التحولات التي يعيشها العالم، في مواجهة الارهاب الجديد وميزاته منذ أن دخلت داعش لاعبا دوليا على إثر سقوط بغداد، في 2003 تحديدا..
وما يميزه، في أسلوب التنفيذ وأدواته البشرية هو: السرعة التي يتم بها التجنيد، حيث لم تعد مصاحبة الزمن شرطا أساسيا في الاستقطاب والإقناع بالمرور الى الفعل الميداني.
وقد لامسنا ذلك في السنة الماضية ، ووقتها سجلنا أن فرنسا وبلجيكا وعموم الغرب بدوا مندهشين من السرعة التي يتم بها التطرّف القتالي لدى الجهات الإسلامية المرتبطة بداعش، أو الأفراد، فقد اكتشفت ألمانيا أنها هدفٌ قتاليٌّ معلن للمنظمة – الدولة في «داعش»، وتبين، أيضاً، أن مرتكب الفعل الإرهابي الأول، يوم 18 يوليوز، شاب عمره 17 سنة، من أصول أفغانية، حمل ساطوراً، وركب القطار، وبدأ في«سلخ» الألمان بـ «إرادة بيّنةٍ في التصفية النهائية»، وكانت المفاجأة أنه «حديث العهد جداً بالتطرف».
«يدرك الوعي الفرنسي أن تطبيقاً زمنياً من قبيل الطوارئ يطرح عليه مشكلة نَسْف الأساس الذي بنت عليه فرنسا الحقوقية والجمهورية مجدها كدولةٍ للحق»
الذهول نفسه عَمَّ فرنسا أمام عجز السلطات على الحسم في طبيعة الفعل الإرهابي الذي ذهب ضحيته عشرات الفرنسيين، يوم عيدهم الوطني، ثم الحكم نفسه أطلقه وزير الداخلية الفرنسي عندما صرح: «حسب المحققين، تطَرَّف الإرهابي في وقت وجيز، وهذا يعني أسلوباً جديداً في العمل الإرهابي»
إن الثابت هو أننا أمام أسلوب جديد في الارهاب.. الفاست فوود، أو التجنيد السريع …
هناك الى ذلك تنويع جديد في الاستنزاف الذي تم توجيهه الى أوربا، ونحن معنيون به، لأن الحدود الاوروبية، منذ مدة، صارت بدايتها عند التخوم الجنوبية لبلادنا، أي من حيث يجب أن يبدأ التمنيع والتحصين الخ.
وحسب وكالات الأنباء والمحللين، «فإن الهجمات المماثلة لاعتداءي برشلونة وكامبريلس اللذين أوقعا ما لا يقل عن 14 قتيلا وحوالي مئة جريح الخميس في إسبانيا، هي في الواقع عمليات يسهل تنظيمها ومن شبه المستحيل منعها، كما أن مدى فاعليتها هائل بنظر الإرهابيين نسبة إلى كلفتها».
أحد هؤلاء الخبراء الذين تحدثوا الى وسائل الاعلام، هو الرئيس السابق لقوة التدخل في الحرس الوطني الفرنسي فريديريك غالوا الذي قال «إنه مبدأ الأهداف السهلة» مضيفا أن «أي تجمع مدني هو هدف سهل. والتجمعات الحاشدة كثيرة، تعد بالآلاف».
غالوا يدرك بأن الارهابي الجديد على طريقة الماكدونالدز «سيسعى قدر المستطاع لمهاجمة أهداف سهلة لها أكبر قدر ممكن من المغزى الرمزي، مثل الشانزليزيه ولارامبلا، لكن إذا فرضت تدابير حماية على هذه المواقع مثلما بدأ يحصل، فسيبقى بإمكانهم إيجاد شارع مؤد إليها يهاجمونه».
إنه إرهاب سريع الإعداد كطبق هامبورغر
وهو «إرهاب منخفض الكلفة»..
إرهاب السكاكين، كما في فيلم المشجع الفريد لدينبيرو وسنايبس، يعتمد استراتيجية الـ”ألف طعنة” والرامية إلى استنزاف العدو لتعذر مجابهته بصورة مباشرة، يضع العمل الإرهابي في متناول الجميع، من خلايا نائمة أو متغلغلة، ومقاتلين عائدين من سوريا والعراق وقد اكتسبوا خبرة عسكرية، ومناصرين تبنوا الفكر المتطرف من تلقاء أنفسهم على الإنترنت أو حتى مختلين عقليا تدفعهم هذه الظروف أحيانا إلى التحرك والقيام بعملية«.. ما العمل: الجواب الأكثر تشاؤما ، لكي ندرك ما نحن بصدد الحديث عنه هو ما قالته السيناتورة الفرنسية ناتالي غوليه مؤخرا لفرانس برس: «كل استخبارات العالم برمتها لن تتمكن من منع هذا النوع من الهجمات».
منذ شهور كتب العبد الفقير لرحمة ربه ما يلي:
فقد أصبحت دولة احتضان، وهي الأقرب إلينا من كل البؤر السابقة.
لنلاحظ أن المركز- الأم بدأ بعيدا في قلب آسيا،أي في أفغانستان، مع بداية القاعدة وارتفاع طاقتها الايوائية والتدريبية والميدانية، وقد كنا نسبيا في مأمن من جندها، بالرغم من الحجم الكبير للمغاربة هناك – والذي تم الاشراف عليهم جزئيا بغطاء شبه رسمي -.
التحرك الاطلسي الذي رافق دخول الولايات المتحدة الى العراق، وبروز أبو مصعب الزرقاوي، وتركز الأجنحة الميدانية للقاعدة في قلب الشرق الاوسط، جعلنا في مرمى أقرب لضرباتها وقد حصل ذلك في 2003، في الـ16 ما ي الأسود. اليوم، أصبح للإرهاب بنية دولة، بتراتبيتها وتفاعلاتها وأجهزتها .. الخ وقد استقرت في ليبيا، مستفيدة من الحدود المخرومة ومن ارتفاع عناصر النزاعات وبانتشار محيط مناسب، في تونس الفتية وفي جنوب الصحراء.
هنا تقريب الارهاب من المغاربة ، عن طريق ليبيا، وهو ما عبر عنه الخيام بحديث عن «متدربين في ليبيا يتحينون الفرصة لغزو المغرب».
والغزو لا يكون بنفر قليل ولا سرية قليلة العدد.
لقد تمددت حدود المغرب الأمنية الى ليبيا، وقبلها سوريا والعراق، كما أن حدود أوروبا أصبحت جزءا من الخريطة الأمنية، وهو ما يعبر عنه الخبراء بتقديم معلومات للشركاء الاستراتيجيين سواء عبر تفكيك الخلايا أو تقديم معلومات لضرب مواقع الارهاب، كما حدث في قصف معسكر خالدين في 2011.
وهو ما يعني كلفة أكثر وفعالية أكثر ومجهودا أكبر، ولسنا في حاجة الى الاستخلاص من هذا بأن الصعوبة في التتبع والاستباق تزداد بدورها أكثر.
ومن عناصر القلق أن التنافس الحاد بين التنظيم- الأم (القاعدة بقيادة المصري أيمن الظواهري) وبين التنظيم الجديد ، ممثلا في تنظيم دولة الخلافة داعش(بقيادة أبو بكر البغدادي) يجر دوما دماء كثيرة..وغالبا ما يعتبر كل طرف أن الرفع من الضربات ودمويتها يعطيه شرعية أكبر وسط المتطرفين وهيمنة أكبر على الخريطة البشرية للارهاب.
وقد بدأ هذا التنافس في الآونة الأخيرة، ويريد كل تنظيم أن يثبت أنه قادر على ضرب أي بقعة من البقاع يريدها.. وزادت من حالة الانغلاق الذي أصاب تنظيم الدولة في مسقط رأسها، بالعراق وسوريا، والانشطار الذي أعقبه والذي سيتولد منه بؤر متحركة، بشكل «ذري»..وهو ما أدى، بالاضافة الى ما سبق ذكره عن ليبيا وتفكك حدودها، الى تقريب الارهاب من الشعوب.»..