ليس لألمانيا الفدرالية سجل خاص بها في قضيتنا الوطنية الأولى، ولا لديبلوماسيتها ممر خاص بها، لكي نقرأ من زاويته تعيين الرئيس الألماني الأسبق هورست كولر رسميا موفدا للأمم المتحدة إلى الصحراء…. على العموم، فألمانيا تساند القرارات الصادرة عن الأمم المتحدة في صيغتها الأكثر توازنا، كما أنها محكومة من جهة ثانية بالأفق الأوربي نفسه..
فهي في قلب أوروبا والنموذج الألماني هو نموذج القوة الاقتصادية ، وليست الديبلوماسية، خارج تدبير الهجرة والعلاقة مع الرقم التركي، هي حصان طروادتها، لكي نعود إلى البصمة الألمانية الكبرى في تحديد مزاج رئيسها السابق..
كما أن محاولات الاختراق، والتي كانت قد قادتها أميناتو حيدر، في نهاية سنة 2017، لما قررت التوجه إلى البرلمان الألماني، لم تعط امتدادا مشهودا للتجاوب معه، كما يحدث في الأوساط السياسية الاسبانية أو الاسكندنافية مثلا ومع السويد خصوصا..
برلين لم تسع في الوقت السابق إلى أن تنازع العاصمتين الأوروبيتين ، مدريد وباريس تاريخ السبق.. والكلمة الأساسية في أوروبا حول الموضوع، بل إن العلاقات مع أوروبا، التي تدور في جزئها المتوتر مع المغرب حول موضوع الصحراء ، لن تختلف في منطقها مع ألمانيا التي ستحترم السقف الأوروبي كما قلنا.
وهذا السقف الأوروبي عرف الكثير من لحظات التوتر، سواء داخل البرلمان أو داخل المحاكم الأوروبية….. الخ، وهي تفاصيل صارت معروفة الآن..
إن أهم شيء هو البروفايل الذي رسمه كولر لنفسه، أولا كرئيس أقوى دولة أوروبية، في الفترة الصعبة بين 2004 /2010، وعلى رأس مؤسسة دولية كبرى من قبيل صندوق النقد، وهي شرفة واسعة للإطلال على قضايا العالم الاقتصادية..
غير أن الرئيسي في التعيين ولا شك هو أنه-
(1) يأتي بعد استقالة رجل أثار الكثير من الزوابع وكان موقفه من المغرب دوما مثار غضب مغربي هو روس الأمريكي، وهو تعيين مرتبط بالدولة التي تدير الملف، وهنا لا بد أن نذكر بأن أحد المطالب المغربية كانت هي أن تتم مراجعة التعيين الخاص بموفد الأمين إلى الصحراء بعيدا عن الدولة التي لها علاقة مباشرة ، ولاسيما أمريكا، ثم تفادي أن يكونوا مما يسمى الدول صديقة الصحراء..
وقد سبق أن تساءلنا، في عمود 16 مارس الماضي هل سيُبقي الأمين العام على مبعوث خاص من بين مواطني مجموعة دول أصدقاء الصحراء، والتي تضم كلاً من أمريكا، فرنسا، إسبانيا، روسيا، انكلترا والصين، وهو أمر ينشر الخلط وسط المتتبعين، ما يفرض أن يسارع المغرب إلى مواجهة هذه المفارقة، بما يضمن وضوح المتابعة والرؤية؟«. إضافة إلى أنه » لا يمكن إسقاط السؤال المتعلق بسياسة الإدارة الأمريكية الجديدة في الملف، وهو سؤال يجب على المغرب أن يركز فيه على توجهات إدارة ترامب، ثم بقايا إدارة أوباما التي كانت قد عاكست المغرب، ما كان قد دفع العاهل المغربي إلى خطاب ناري ضد الإدارة إياها في أبريل 2014، ثم في خطاب قمة الرياض في مارس منذ عام«.
(2) يبدو أن اختيار الأمين العام كانت فيه بصمة شخصية جدا، بما أن الموفد الجديد أوروبي مثله، وعمل مثله في الأوساط الأوروبية الاقتصادية والسيادية، وبالتالي بعيدا نوعا ما عن التوازنات التقليدية التي طبعت تعيينات الموفدين الأمميين..
وربما حقق المغرب هذا المكسب بتعيين الموفد الحالي من خارج الدائرتين المعروفتين ، الأمريكية وأصدقاء الصحراء ، ومن داخل المجال الحيوي الأوروبي..
وإن أهم ما ينتظره هو مهمته بإحياء المفاوضات حول الصحراء كجدول عمل مستقبلي منظور، حددته الأمم المتحدة نفسها ورسم معالمه التقرير الذي رفعه الأمين العام في أبريل الماضي، والذي قرأه المغرب قراءة جيدة وهاجمته الأطراف المعادية له..
(3) اعتبر كولر إفريقيا دوما »هي الفضاء الذي يجري فيه مستقبل البشرية، وهو ما اعتبره البعض ميلا عاطفيا نحو القارة، لما قال إن أوروبا وألمانيا لا تنظران إلى إفريقيا بشكل مختلف، وأن هناك «ألْف إفريقيا» وعلينا أن نلائم سياستنا معها، ويمكن القول إن النقطة الإفريقية تلتقي مع التوجه المغربي الجديد، وأن السياسة المغربية في النظر إلى إفريقيا بشكل مختلف هي ما يميزها عن كل السياسات، وأن خطاب الرئيس الألماني هو جوهر السياسة المغربية الذي توج بعودة المغرب إلى عائلته المؤسساتية…