رحل صاحب القامة الكبيرة الذي عمل بكل مايملك على تأسيس ثقافة وطنية مغربية حدييثة و أنتج في الأدب والفكروالتاريخ والقانون الدستوري والسياسة… و
رحل السياسي الذي مارس السياسة باستقامة وبحرص لايلين على ألا تخدش كرامته من أي كان وامتلك دائما شجاعة الموقف وبالأخص في الأوقات الحرجة، ولم يتردد في توجيه النقد حتى لقياديين في حزب الاستقلال والمركزية النقابية التابعة له عندما بلغته معلومات عن انحرافات.
رحل أستاذي الذي تعلمت منه الكثيرمهنيا أولا وسياسيا ثانيا والذي احتضنني وحماني في أوقات حرجة ووجهني دون أن يتدخل يوما في قناعاتي وجعلني أثق بنفسي وبإمكانياتي و أعمل على تطويرها بشكل منهجي.
كان لايتردد في أوقات كثيرة، خلال السنوات التي أمضيتها في جريدة العلم، في تكليفي بانجاز الموضوع الرئيسئ، وكان يثق بي ثقة كاملة حين أنجز سبقا صحفيا. وكانت ثقته بي نابعة من احترامه للمناضلين وللمستقيمين وللكفاءة المهنية التي لايعادلها إلا احتقاره لعديمي الكفاءة والكرامة وعملاء الأجهزة ومخبريها.
أذكر أنني ارتكبت تجاوزات خلقت إحراجا لجريدة “العلم” ولحزب الاستقلال حين خضت في مواضيع ذات حساسية قصوى، من قبيل الهجوم على أفزاز، القاضي الذي نطق بالأحكام في محاكمة 1977 ضد السرفاتي ومن معه، حين تم تعيينه كاتبا عاما لوزارة الأوقاف من طرف عبدالكبير العلوي، وحين فضحت جلاد معتقل درب مولاي الشريف قدور اليوسفي يوم تعيينه مديرا بالإدارة العامة للأمن الوطني من طرف صديقه إدريس البصري، وبالأخص يوم نشرت مقالا، بمثابة تحقيق، عن خوصصة الشركة الوطنية للاستثمار أكدت فيه بالأرقام أن ثمن التفويت مخدوم وأن الخوصصة محطة قبل ابتلاع الهولدينغ العمومي من طرف “أونا” وأشرت إلى خطورة الجمع بين الثروة والسلطة. وكان هذا الموضوع الأخير قد أثار زوبعة..لكن الأستاذ غلاب كان بجانبي وحماني بقوة ومكنني من الاستمرار في العمل في “العلم” رغم مطالبة البعض بطردي .. وتحمس بعض زملائي للفكرة
كان الأستاذ غلاب في هذه الحالات وغيرها يؤكد لي أنه يقدر حرصي على ألا يمر حدث كبير دون تناوله، بل ويؤكد لي اتفاقه مع بعض خلاصاتي، ويتحفض على البعض منها، ويلح علي أن أستشيره قبل إنجازأو نشر بعض المواضيع، التي كنت استغل دوري في المداومة في نهاية الأسبوع لنشرها قبل أن يتم إعفائي من المداومة،
وكان الأستاذ غلاب كلما دخلت عنده ف حالة غضب هدئني ويقول لي ” السي نجيب أنا أعتبرك ابن ولس مجرد صحف ف الجربدة ” وكلما طالبت بالزيادة استجاب لي. وحصل أن سلمني بعض افتتاحياته المخصصة لقضايا اقتصادية أو اجتماعية وترك لي أمر مراجعتها بتواضع الكبار مع إلحاحه على أن تظل المراجعة ملتزمة بأفكاره هو وليس أفكاري أنا، وكنت دائما في مستوى ثقته بي. كان السي عبدالنبي، الحارس الذي يسهر على استقبالاته، يسألني “آش درتي للسي عبد الكريم عمرني ماشفتو كيتعامل مع شي واحد كيف كيتعامل معاك”
كان جوابي “السي عبدالكريم رجل معقول وكيبغي المعقول، مثقف وكيحترم اللي عندو ثقافة”
وكان السي عبدالنبي رجلا رائعا وعطوفا ولذلك كانت علاقته مع الأستاذ غلاب خاصة.
الأستاذ غلاب تلقى تكوبنه الجامعي بمصر في أزهى فترات الثقافة المصرية والتحق باللجنة التنفيذية لحزب الاستقلالمباشرة بعد عودته إلى المغرب ف فترة الحماية، كان التحاقه بها في نفس اليوم الذي التحق بها صديقه المرحوم عبدالرحيم بوعبيد، واشتغل في وزارة الخارجية في بداية الاستقلال قبل أن يغادرها لتولي مسؤولية جريدة “العلم” في 1958 مكان قاسم الزهيري ويكرس جهده للصحافة والكتابة الأدبية والفكرية والتاريخية بعدذلك. توليه للوزارة لبعض الوقت لم يكن مريحا له لأنه خاض معركة شرسة بكرامته مع ادريس البصري الذي كان يشتغل بعقليته البوليسية التي ورثها عنه تلامذته الذين يتشبهون به اليوم.