بمناسبة الذكرى الثامنة عشرة لتولية جلالة الملك عرش اسلافه الميامين القى جلالته خطابا يتسم بالمصداقية والموضوعية حول الوضع الراهن و توجيهاته السياسية يطبعها الوضوح و الصراحة.
انتقد جلالته من خلاله ضعف أداء الإدارة و العاملين بها خاصة في القطاع العام و قصورالعاملين به عن اداء المسؤولية المنوطة بهم في تعاملهم مع قضايا ألمواطنين كما اشاد لنجاعة لقطاع الخاص و حكامته لاسيما في مدن طنجة الدار البيضاء و مراكش . أ ما بالنسبة للأحزاب السياسية فلم تعد تقوم بدورها التأطيري و انتاج النخب لتتحمل المسؤولية . و بصفة عامة فقد ضمن الخطاب مسألة تدبير الشأن العام و ما طاله من اختلالات كثيرة . اما بالنسبة للمنتخبين في مختلف المؤسسات من الجماعة الترابية الى البرلمان فانهم بدورهم لا يعيرون الاهتمام للمسؤولية المنوطة بهم من طرف المواطنين و ذلك بسبب انتفاء اغلبهم لروح المواطنة و الوازع الديني لتكون الهدف الاسمى ووضع مصلحة الوطن والمواطن فوق كل اعتبار بعيدا عن المصلحة الحزبية الضيقة و الخطاب الشعبوي . و كان هدفهم الاساسي تحقيق الريع المادي و المعنوي بدلا من تخليق الحياة السياسية وربط المسؤولية بالمحاسبة طبقا لما يقتضيه الفصل 2 من الدستور . و كان الخطاب إشارة قوية للمسؤولين كل من موقعه و في مختلف المستويات من الحكومة و البرلمان و الولاة و العمال و المنتخبين و عامة الشعب المغربي ,كل هذا في اطار دولة المؤسسات و دولة الحق و القانون .
وكان لزاما على جميع المغاربة حاكمين و محكومين ان يستوعبوا مضامين الخطاب الملكي و الرد عليه بالسمع و الطاعة مصدقا لقوله تعالى في سورة النساء “يأيها اللذين امنوا اطيعوا الله و اطيعوا الرسول و اولي الامر منكم ” و قوله صلى الله عليه و سلم “من اطاع والي الأمر فقد أطاعني و من عصاه فقد عصاني ” و طاعة ولي الامر واجبة إلا في معصية , في الشريعة الاسلامية وان كان عبدا حبشيا حسب الرسول (ص) و من الملاحظ انه مما لا شك فيه ان الدستور المغربي لسنة 2011 قد شكل تحولا نوعيا في تاريخ الدساتير المغربية بدءا من دستور 1962 الى دستور 2011 و يتعلق الامر بتوسيع الصلاحيات التي خولها للحكومة و رئيسها و كذلك المعارضة التي أصبحت هي الأخرى تتمتع باختصاصات واسعة ،تؤهلها لكي تصبح شريكا في الحكم و ذلك في سعي واضح من المشرع المغربي لتفعيل دورهما في بناء حياة سياسية ديمقراطية تستند الى القانون و المؤسسات و مبدأ الحقوق و الواجبات و المسؤولية و المحاسبة والحكامة الجيدة علما ان المغرب عرف ديناممية سياسية جديدة لكنها لم تخرج عن الاطار الدولي العام المتميز بصعود القوى اليمينية و المحافظة كما يواجه الوضع صعوبات جديدة نتيجة الاستقطابات التي تمت على اساس سلطة المال .
اما الذي يجب الانتباه اليه هو الاشكال المطروح حول توفر التجربة المغربية على المناخ السياسي الحزبي و الاجتماعي والاقتصادي و الثقافي الذي يساعد على تفعيل احكام و مقتضيات الدستور, وأيضا فهل لدى الأحزاب السياسية المغربية من المكونات و الهياكل و البرامج و القيادات و الأطر مما يجعلها جديرة بتنزيله على ارض الواقع ,وقد برهنت حكومة بنكيران السابقة في نسختها الأولى و الثانية على فشلها . كما عجز السيد رئيس الحكومة في ممارسة اختصاصاته حيث استفاد حزبه العدالة و التنمية من المنهجية الديمقراطية التي نادى بها الاتحاد الاشتراكي سنة 2002 . على كل ان الحصيلة تبرز حتى الان ان هناك فرقا بل هوة بين دستور متقدم و حكومة و معارضة مأزومة لم تستطع تدبير خلافاتها الداخلية بعقلانية, فكيف لها بالتالي ان تكون في مستوى مقاصد المشرع وأهدافه التي اقرها الدستور الجديد و تجسيد طموح المواطن في حياة سياسية تنافسية حقيقية.
و تجدر الاشارة ان الخطاب اشار الى العزوف عن الانخراط في العمل السياسي و التصويت في جميع الانتخابات .
في اعتقادي ان هذه الكتلة الاغلبية هي التي يطلق عليها الامتناع الانتخابي و هذه الاشكالية تمس في الجوهر وضعية المنتخبين . مما يطرح العديد من التساؤلات حول جدوى و شرعية هذه التمثيلية . و هذا يدل على ازمة السياسة و السياسي في المغرب .
و السياسي في المغرب اضحى بدون شرعية شعبية قوية من خلال المؤسسات التي يديرها . و الواقع ان الاتحاد الاشتراكي كان يخلق التوازن في البلاد رغم تموقعه في المعارضة مند سنة 1960 الى سنة 1998 و ادى التمن غاليا الى ان اوشكت البلاد على السقوط في المنزلق السياسي . لبى الكاتب الاول انداك عبد الرحمان اليوسفي نداء الملك الراحل الحسن الثاني و الذي سمى هذا المنزلق بالسكتة القلبية . و لذلك تولى اليوسفي رئاسة تدبير الشأن العام . وكان الأصدقاء و الخصوم يشهدون بالإنجازات التي تحققت خلال اربع سنوات و التي شهدتها البلاد في ظل حكومته . اما الان فقد اصبح المشهد السياسي بخسا و تمييعا تتجاذبه القوى الثالثة و القوى المحافظة . في حين ان القوى الوطنية و الديمقراطية أصبحت على الهامش . و لحسن حظ المغاربة ان المؤسسة الملكية هي التي تلعب دورا محوريا للسهر على السير العادي للمؤسسات الدستورية و ضمان استقرار البلاد و امنه , و كان جلالة الملك هو الوحيد الذي يمارس بالفعل الاختصاصات المخولة اليه في الفصلين 41 و 42 من الدستور .
وقد ختم جلالته الخطاب بالآية 58 من سورة النساء لقوله تعالى ” ان الله يأمركم ان تودوا الامانات الى أهلها و اذا حكمتم بين الناس ان تحكموا بالعدل .. ان الله فيما يعضكم به ان الله كان سميعا بصيرا ” وهذه الآية هي جماع المبادئ التي اقرها الإسلام في العالم . اوجب الالتزام بها دون ان يملك تبديلها جعلت من دولته اول دولة دستورية نشأت في الإسلام ذات وظائف إيجابية تتعلق بنواحي الحياة كلها .
و هي الأصول الكلية و المبادئ العامة لنظام الحكم الإسلامي . ومن تم فان العدل وأداء الأمانة هما ركيزتان اساسيتان في نظام الحكم لكن اكثر المسؤولين . وكثير من الناس لا يعلمون . و في هذا المضمار جاء عن للرسول (ص) قوله ( ما من وال يلي رعية من المسلمين فيموت فهو غاش لهم الا حرم الله عليه الجنة ).
اما في شان الاية المشار اليها في سوزة النساء قال الامام ابن تيمية في رسالته “السياسة الشرعية” انها مبنية على اية الامراء في كتاب الله تعالى قال” العلماء نزلت الأمور عليهم ان يؤذوا الامانات الى أهلها وإذا حكموا بين الناس ان يحكموا بالعدل . ” و اذا كانت الاية قد اوجبت أداء الامانات الى أهلها و الحكم بالعدل فبهذا تشمل جماع السياسة العادلة و الولاية الصالحة . و بخصوص العدل فقد جاء عن ابي تيمية ” ان الله يقيم الدولة العادلة و لو كانت كافرة و لا يقيم الدولة الظالمة و لو كانت مسلمة”ومما لا شك فيه أيضا ان ما يستشف من الخطاب الملكي الاخير و كذلك بالنسبة لتعليماته و توجيهاته هو حضوره الدائم في شتى المجالات الحيوية العامة . فتسيير شؤون البلاد سيبقى من أولوياته الأساسية, و تكتسي هذه التعليمات طابعا أساسيا يعلو في قيمتها و مضمونها وقوتها التنفيذية . و هكذا فحسب المقتضيات الدستورية و العرفية هو صاحب السلطة الحقيقية و هي التي تمكنه من اختراق البنيات التنظيمية و المؤسساتية بما فيه مصلحة البلاد و العباد. يصدر امره لأي وزير وعلى رأسهم رئيس الحكومة او اي وال او عامل بتنفيذ قرار او تسوية وضعية او بالتسريع بتدبير ملفات عالقة او مشاريع متوقفة .
لهذا شكلت الزيارات الميدانية التي يقوم بها شخصيا في مختلف ربوع المملكة احد ابرز مظاهر الوقوف على الحقائق و معرفة الاختلالات التي تعرفها الاوراش المفتوحة التي تعد مظهرا لتدبير الشأن العام على المستوى الميداني , و نظرا لتفاقم بعض المشاكل القطاعية التي تعرفها مؤسسات الدولة التي يشرف عليها بنفسه كحالة الشكاوي التي يتلقاها من بعض المواطنين المغاربة في الداخل و الخارج , إلا ان المؤسف له ان اغلبية المسؤولين مازالوا متحجرين في عقلياتهم لا يهمهم إلا تنمية ثرواتهم و مصالحهم في حين تنامت ظاهرة الرشوة و ازداد الفساد استفحالا في اغلب القطاعات ان لم اقل كلها اما المواطن فأصبحت ثقافته نفعية و يفقد الثقة في السياسة والمؤسسات و ترتب عنه عزوف في الانخراط السياسي و العزوف أيضا في عمليات التصويت في الاستفتاءات الشعبية الامر الذي يتسرب اليه الاحباط و اليأس الامر الذي يسهل معه استقطابهم للانخراط في التيارات التطرفية . و خلاصة القول ان هناك مفارقة شاسعة بين تصورات الملك حول إقامة دولة المؤسسات واحترام قانون تصان فيها حقوق المواطن وكرامته و سعيه الى الرقي بالبلاد وازدهارها وبين عقليات الحكام التي مازالت سائدة محتفظين بممارسات لا تمت الى القانون بصلة وهمهم الوحيد هي المنافع الشخصية و لو على حساب المصلحة العامة . و في الحقيقة فان الوضع اتخذ منحى خطيرا في السنوات الأخيرة بسبب التحديات التي يواجهها داخليا و خارجيا .
لذلك أصبحت البلاد في الظرف الراهن و قبل أي وقت مضى في حاجة ماسة الى ان من يتولى المسؤولية يجب ان يكون اهلا لها بكفاءاته و نزاهته ومصداقيته و التصدي للفساد الذي ظهر في البر و البحر بما كسبت ايدي الناس .
و الجدير بالذكر انه كان لتضحيات و نضال الاتحاد الاشتراكي الى جانب كل القوى التقدمية و الحقوقية النصيب الوافر في التطور من اجل ترسيخ دولة الحق و سيادة القانون ، إلا ان هذا التقدم يصطدم مع سياسات عمومية تعمل على الاجهاز على المكاسب التي تحققت بفضل نضالات الشعب المغربي برئاسة قواه الحية . كما يتم مصادرة الحريات و الحقوق الجماعية و الفردية جهارا و نهارا مع التزام المسؤولين الحياد السلبي لمكافحة الفساد بمختلف اشكاله . كما يجب عليهم ارجاع الثقة للمواطنات و المواطنين في تطبيق القانون في مواجهة الدولة نفسها . و لا يتأتى ذلك إلا بعمل حكومي منسجم مع المبادئ الدستورية حول سيادة القانون و ربط المسؤولية بالمحاسبة و محاربة الشطط في موقع النفوذ و محاربة الفساد .
هذه هي عناصر الحكامة التي تعد احد اهم مظاهر تدبير الدولة الحديثة و التي ينبغي ان تقوم على اساس التوزيع للأدوار و المسؤوليات . و فصل سلطة المال و الاعمال عن السياسة و فظاءاته . كما يجب ايجاد اليات مركزية في مجال محاربة الفساد و هدر المال العام . و هكذا فان احترام الديمقراطية و احترام حقوق الانسان و احترام م دور الاحزاب الذي يجب ان تقوم به كما هو الشأن بالنسبة للنقابات و جمعيات المجتمع المدني و المنظمات لغير الحكومية التي تعبر عن مظاهر اساسية للبناء الديمقراطي و التنموي على المستوى الداخلي . و لكن ايضا للرقي بالمغرب الى مرتبة تسمح له بالتفوق امام خصوم وحدثنا الترابية باليات جديدة عند الدفاع عنها في كل ظرفية تجعل بلادنا تحت المجهر … .
علي المرابط / وارزازات
الثلاثاء 15 غشت 2017.