عن طريق الصدفة علمت بتدشين مستشفى كان محط زيارات عديدة لعمال كانوا وغادروا ،منهم من تقاعد وابتعد
كلهم وبدون استثناء إلا من رحم ربك كانوا شدادا غلاظا ،يقمعون ،ويعتقلون ،ومنهم من كان يمارس أبشع صور التعذيب اللفظي والجسدي ،لم أسلم شخصيا من العديد منهم يوم كنت ناشطا سياسيا ونقابيا ،كانت والدتي رحمها الله دائمة القلق ودائما تراقب مدخل البيت وتنتظر دقاتي بالباب ،كانت رحمها الله قلقة على مستقبلي ،لازلت أتذكر يوما لما سمعت بأن رجال الشرطة طافوا ببيوت أصدقائي وجمعوا الكتب وكل ما كانت تحتويه خزاناتهم .والدتي لما سمعت بالأمر نقلت كل كتبي لبيت خالتي ،خوفا من مصادرتها ولكن في الحقيقة خوفا مما كانت تتضمنه من إديولجيات يسارية .
ماتت والدتي ،ومات العناد الذي كنت أتميّز به ،بل التحدي في مواجهة المخزن الذي كان صارما في عهد أوفقير وبعده البصري
كنا جميعا نخشى على أمهاتنا ولا نخشى المخزن ،تعلمنا النضال والصمود والتحدي من رجال تَرَكُوا بصماتهم في تاريخ المغرب
اليوم تلمس أن سنوات الرصاص التي عانت منها أجيال عادت ،من جديد في صور القمع المتنوعة ، مازال المغاربة يعانون من الفقر والتهميش والجهل ،مازل المغاربة يعيشون في الأكواخ والكهوف ولايزالون محرومون من العلاج في المستشفيات ،ولازال المغاربة لا يملكون حرية التعبير عن معاناتهم ،وانضاف لمعاناتهم القدرة على الإنتحار بشتى صوره ،عندما يضيق بهم الحال ،مازال العديد من المغاربة ينهون دراستهم ،ولا يشتغلون ،لكن كبر الأمل والإصرار في التغيير ،رغم قوة المخزن ،الذي كان يراقب ويتابع خطوات كل واحد من خلال الشيوخ والمقدمين الذين نشرهم في المجتمع ،إلى يومنا ،هؤلاء هم عيونه التي لاتنام ،وتأكدت من ذلك اليوم ،عند ذهابي للحصول على وثيقة إدارية ،وكنت ملزما بالحديث مع شيخ حينا الذي يمتلك وثيقة حسن السيرة رغم أني لا أسكن منزلا إلا شهرا أوأقل في السنة ،لقد وجدت أبنائي المزدادين في بلاد الفكينك ،مسجلين في مسودةلديه بأسمائهم وأعمارهم لأن أبوهم مارس السياسة في زمن ماوغادر البلاد لوجهة مجهولة ..
لم يتغير شيئ في سلوك القياد والباشوات والعمال ،لازالوا يمارسون القمع اللفظي والجسدي لازالوا يحتقرون الناس ،لازالوا يمارسون القمع ولايخشون انتفاضة شعبية أوهبة مثل هبة سكان الحسيمة ،كنت أعتقد بأن المخزن أخذ دروسا مما حصل في الشهور الأخيرة ،لكن تأكدت يوم تدشين المستشفى بعيو سيدي ملوك ،بأن القياد والباشوات لازالوا يخشون التجمعات ،ولايهدألهم بال إلا بعد أن يتفرق الجمع ،
تراهم دائما الحركة ،يتحركون بفيلق من البلطجية الذين يتابعون تحركاتهم من أجل حمايتهم ،ومن أجل شهادة على حسن سلوكهم ،ومن أجل التغطية على كل فعل وسلوك سيئ،ودنيئ،
ولدي قصة مع أحد يسمى جمال ،الذي كان ظلا ظليلا لقائد يسمى أمين ،لم يكن لوحده بل كان معه رجال آخرون يتابعون خطوات سيدهم لحمايته من كل تدخل عنيف قد يصدر من إحدى المحرومين الذين تجمعوا يوم التدشين.
“يتبع”
حيمري البشير كوبنهاكن