طالما تساءل المغاربة بحرقة شديدة عن سر تقلب شخصيات بعينها في مناصب وزارية بالحكومات المتعاقبة الفاشلة، وكأن المغرب لم ينجب سواهم. ويبقى الأوفر حظا في السنوات الأخيرة، خريج مدرسة البوليتيكنيك بالعاصمة الفرنسية المهندس محمد حصاد، الذي شغل على التوالي منصب وزير الأشغال العمومية والتكوين المهني وتكوين الأطر (1993 – 1995)، فوزير الداخلية (2013-2016 )، ثم حاليا وزير التربية الوطنية والتكوين المهني والتعليم العالي والبحث العلمي.
وكان قد تقلد سابقا عدة مناصب هامة، منها مدير عام للمكتب الوطني لاستغلال الموانئ، والي جهة طنجة- تطوان، رئيس مجلس رقابة “الوكالة الخاصة طنجة-المتوسط” ومدير عام للخطوط الملكية المغربية… وهو ما يفيد أن للرجل مؤهلات علمية عالية، تسمح له بأن يكون “جوكيرا” عابرا للمناصب. ووحدهم “خبراء” البلاد من يدركون قيمته وعلو كعبه، وإلا ما كان لتسند إليه حقائب وزارية ذات الوزن الثقيل، مثل وزارة الداخلية ووزارة التربية الوطنية. فيما السواد الأعظم من المواطنين مازالوا يجهلون المعايير المعتمدة في انتقاء النخب لتدبير الشأن العام في ظل انعدام الشفافية، ولا على أي أساس يتم أحيانا صباغة بعض التكنوقراطيين ومن ضمنهم حصاد، بألوان سياسية ضدا عن رغبتهم.
فإلى أي حد سيكون حصاد قادرا على وضع هندسة جديدة للمنظومة التعليمية، تخرجها من عمق أزمتها الخانقة؟ مؤكد أنه على إلمام واسع بما عرفه القطاع منذ فجر الاستقلال من محاولات إصلاحية، عبر تكوين اللجان وتنظيم المناظرات وتوسيع الاستشارات واستنزاف الميزانيات، دون الحرص على تعزيز المكتسبات وحسن استثمارها في تجاوز النقائص والاختلالات. إذ طوال كل هذه المدة الفاصلة، لم يستطع المغرب أن يجعل من نظامه التعليمي قاطرة أساسية للتنمية. ويعلم كذلك أن إصلاح التعليم مسألة سياسية أكثر منها تقنية تعتمد على بعض الشكليات دون النفاذ إلى عمق الأشياء، مما يتعين معه استيعاب واقع التعليم والقيام بالتشخيص العلمي الجيد، بالاتصال المباشر والتواصل الدائم مع المعنيين، بدل الامتثال للتعليمات البيروقراطية الجافة. وهو انخراط جاد ومسؤول، عقلاني ووجداني، يستلزم مقاربات تشاركية عند وضع السياسات العامة والاستراتيجيات واتخاذ القرارات…
فاعتبارا للتجارب السابقة وما تم تسجيله من ملاحظات، يتضح أن أصل الإخفاقات المتواترة لدى القائمين على الشأن التعليمي، يعود بالأساس إلى غياب ترتيب الأولويات، الذي من شأنه تحديد ما ينبغي التعجيل بعمله، وما يمكن إرجاؤه إلى وقت لاحق، ريثما يحين أوانه وتنضج الشروط اللازمة لمباشرته. فهل عمل حصاد على احترام ترتيب الأولويات؟
ولأنه صار مألوفا لدينا أن يدشن كل وزير لولايته الجديدة بإثارة الفرقعات الإعلامية، فلن نتحدث هنا عن انقلابه على قرار سلفه بلمختار في إعادة الترخيص لأساتذة التعليم العمومي بإنجاز ساعات إضافية في التعليم الخاص إرضاء للوبياته، ولا عن إرسال لجان تفتيش إلى المؤسسات التعليمية العمومية الحاصلة على نسبة نجاح في البكالوريا تقل عن 40 في المائة، بدعوى رصد العوامل المسببة للنتائج المتدنية وتقييم أدائها التربوي والإداري من خلال عدة معطيات… إذ هل يستقيم ربط المسؤولية بالمحاسبة، دون توفير الشروط التربوية الضرورية المحفزة على الأداء الجيد والتحصيل المفيد؟
كما لن نتطرق إلى ما خلفته الحركة الانتقالية برسم سنة 2017 من ردود أفعال غاضبة لدى المدرسات والمدرسين، لاسيما أولئك المجمدين في أصقاع المناطق النائية، جراء تغيير منهجية الحركة الانتقالية بشكل انفرادي دون إشراك النقابات التعليمية، وانعدام الشفافية وتكافؤ الفرص والتخطيط المحكم المبني على رصد كل ما له ارتباط بها، من تقاعد بشقيه النسبي وحد السن، استيداع إداري، حركة إدارية والتحاق بمراكز التكوين… مما اضطر معه المتضررون إلى خوض اعتصامات مفتوحة، مطالبين بإلغاء نتائج الحركة المجحفة، وإصرار تنسيقيتهم الوطنية على رفع دعوى قضائية لدى المحكمة الإدارية بخصوص خرق المذكرة الإطار 2015.
فكيف لسيادته الحديث عن عزمه الأكيد على النهوض بالمنظومة التعليمية، في ظل ما أثارته قراراته الارتجالية من جدل واسع وسخط عارم؟ ومتى كان الإصلاح يأتي عبر تغيير السبورات وإصدار المذكرات المتسرعة والبعيدة عن الواقع، كالمذكرة الوزارية رقم 094/17 الصادرة بتاريخ 18 يوليوز 2017 حول توحيد الزي بالنسبة لتلامذة سلكي التعليم الابتدائي والثانوي الإعدادي، زاعما أن القرار نابع من القناعة بترسيخ مبادئ المساواة بين التلاميذ وتقوية روح الانتماء للمدرسة وخلق فضاء تربوي منسجم في مظهره الخارجي ومعبر عن هوية مشتركة… وفي الوقت ذاته دعا العاملين بالمؤسسات إلى العناية بالهندام وارتداء الوزرة إبان الحصص الدراسية…
وثالثة الأثافي هي التدريس ما بين 12 ظهرا والثانية زوالا خلال الموسم الدراسي المقبل، دون مراعاة انعكاساته السلبية على التلاميذ والأطر التربوية والإدارية، باعتبار الفترة فترة راحة وإطعام… أبمثل هذه التدابير العشوائية، يمكن تفعيل مضامين الرؤية الاستراتيجية 2030-2015 وجعل المدرسة أكثر جاذبية ومفعمة بالحياة، دون الحاجة إلى إعادة النظر في الفوارق الاجتماعية والمجالية والبرامج والمناهج وتوفير الموارد البشرية والتجهيزات التربوية والبنى التحتية؟
إن إصلاح التعليم من الأوراش الوطنية الاستراتيجية الكبرى، لا يمكنه التحقق إلا في إطار رؤية شمولية ومقاربة تشاركية، والرهان على الرأسمال البشري، من أجل بناء مدرسة وطنية ترقى إلى مستوى متطلبات القرن 21 لرفع التحديات المطروحة اقتصاديا وسياسيا وثقافيا واجتماعيا، عوض سياسة الترقيع واستعمال المساحيق المستفزة… وكما قال الملك محمد السادس في خطاب العرش الأخير: “كفى، واتقوا الله في وطنكم… إما أن تقوموا بمهامكم كاملة، وإما أن تنسحبوا”
الثلاثاء 01 غشت 2017.