من المؤكد أن الحياة السياسية في المغرب تعاني من خلل بنيوي، يمكن قياسه عبر عدة مؤشرات، من أهمها عزوف فئة واسعة من المواطنين عن المشاركة في الانتخابات، إما لأنهم لا يذهبون للتصويت أو لأنهم غير مسجلين أصلاً في اللوائح الانتخابية.
أرقام العزوف الانتخابي مخيفة، فمن أصل15.702.592 مسجلا في اللوائح، لم يشارك سوى 43 في المئة منهم،بينما يصل مجموع الذين يحق لهم التصويت إلى حوالي 27 مليون ناخب، و تكشف هذه المعطيات عن فقدان الثقة في المشاركة في الاستحقاقات.
هناك من لا يشارك لأنه يعتبر نفسه غير معني بالممارسة السياسية، وهناك من لا يصوت لأنه غير مقتنع بجدوى ذلك، إما انطلاقاً من تجربته ومعاينته للواقع المعيش، أو عن موقف سياسي من المنظومة القائمة، و في جميع الأحوال، تلتقي هذه الدوافع في سلوك موحد، ينبذ المشاركة ويفضل الابتعاد عنها والاكتفاء بموقف اللامبالاة أو النقد.
لذلك يمكن القول إن أقلية من الناخبين هم الذين يشاركون، ويقررون عملياً في مصير المؤسسات المنتخبة والسلطات التنفيذية التي تنتج عنها. بالإضافة إلى هذا المعطى الكمي، هناك المعطى الكيفي، والذي يفسر إلى حدٍ كبيرٍ ضعف المشاركة، حيث يتأكد من تجربة الانتخابات الجماعية والجهوية والتشريعية، الأخيرة، استمرار نفس النموذج السابق، الذي يعطي للأعيان والشبكات النفعية والارتباطات المصلحية، الزبونية والإحسانية، الأسبقية على أي نموذج آخر، رغم وجود بعض الاستثناءات، لكنها تظل محدودة، ولا تغير القاعدة.
هناك أسباب سياسية واقتصادية وسوسيولوجية، تكرس هذا النموذج، الذي لم تتمكن الأحزاب الديمقراطية من تجاوزه، بل منها من حاولت نقله، منذ نهاية تسعينيات القرن الماضي، مما أدى إلى سقوطها في فخِ منصوب، تراجعت فيه المصداقية والارتباط الوثيق بالجماهير، فطفت على السطح كل أنواع الطحالب.
لذلك من المفيد إدراك أسباب الواقع الحالي، لِما قبل التشخيص، وتقديم البدائل، لما بعده. وهو الإصلاح السياسي، الذي كان منتظراً بعد الإصلاح الدستوري، غير أَن البلاد غرقت في صراع آخر، لا علاقة له بعملية تحديث المجتمع وتطويره وتفعيل آليات الديمقراطية والحكامة. اليوم، وبعد الزمن الضائع، يمكن الشروع في عملية الإصلاح الشامل، بكل شجاعة ومسؤولية.