التطورات الحاصلة في الحرم القدسي مقلقة جداً، ليس لأن الاحتلال الإسرائيلي يضيق فيه على المصلين، كما يفعل دائماً، لكنه خطا هذه المرة خطوة أخرى، في مسلسل الضم، حيث وضع بوابات إلكترونية، على مداخله، وفرض المرور منها، في محاولة لتكريس الاحتلال و»السيادة»، التي لم تحظ، منذ 1967، بالاعتراف الدولي.
وقد عبر الفلسطينيون عن رفضهم المطلق لهذه الإجراءات، لأنهم أدركوا أهدافها، والتي ليست سوى مواصلة لعملية تغيير معالم القدس، وطابعها العربي، والاستيلاء النهائي على كل رموزها التاريخية والدينية، لأن هذا المخطط يدخل ضمن الأساطيرالمؤسِسة للكيان الصهيوني.
فالإسرائيليون يسمون الحرم القدسي، جبل الهيكل، تماشياً مع الأسطورة التي تعتبر أن هذا هو المكان الذي كان يضم هيكل سليمان، قبل أن يجري هدمه، لذلك تواصل إسرائيل عملية التنقيب عن آثاره، دون أن تصل إلى أي نتيجة.
فما تقوم به سلطات الاحتلال اليوم، بخصوص الحرم القدسي، يمكن أن يشكل سابقة خطيرة، ولن تتخلى عنها هذه السلطات بسهولة، ما لم تقف الدول العربية، موقفاً حازماً، بدعم من المجتمع الدولي، حتى لا يتم تغيير الوضع القانوني، بذريعة الإجراءات الأمنية.
ومن المعلوم أن هذا الحرم يظل باستمرار مستهدفاً من قِبٓلِ المتطرفين الصهاينة، حيث يتوجهون نحوه في مناسبات متعددة، كما قام بذلك آرييل شارون، مرتدياً خوذة عسكرية، عندما كان زعيما لليكود، سنة 2002، حيث اقتحم باحات المسجد الأقصى، بحجة زيارة مكان الهيكل، وعندما وصل إلى ما تسميه الأسطورة درج إسطبلات سليمان، اعترض الفلسطينيون سبيله، وكان ذلك هو السبب المباشر في إشعال فتيل الانتفاضة الثانية.
لذلك لا تخفى على أحد أهمية المواجهة على هذا المكان المقدس، بالنسبة للمسلمين، لكن أهميته بالنسبة للصهاينة، أكثر، لأنها تؤسس للأسطورة التي بنيت عليها إسرائيل، في أرض فلسطين، فالمعركة الرمزية، توازي المعركة التي تجري في الميدان، والتي تسعى فيها إسرائيل إلى تطويق الوجود العربي في أحياء القدس، بهدف التهويد النهائي لها.
دعم صمود المقدسيين من مسلمين ومسيحيين، يعتبر من صميم هذه المعركة، وما يجري اليوم في مداخل المسجد الأقصى وباحاته، جزء أساسي من الصراع ضد كيان عنصري، بنى وجوده على الاحتلال والاغتصاب والقتل والتشريد والأساطير.