قال تعالى : (أَفَلَمْ يَسِيرُوا فِي الْأَرْضِ فَتَكُونَ لَهُمْ قُلُوبٌ يَعْقِلُونَ بِهَا أَوْ آذَانٌ يَسْمَعُونَ بِهَا ۖ فَإِنَّهَا لَا تَعْمَى الْأَبْصَارُ وَلَٰكِن تَعْمَى الْقُلُوبُ الَّتِي فِي الصُّدُورِ) .سورة الحج
يقال عن اليمن إنها (بلد الإيمان والحكمة) , ويقال عن الشرق الاوسط ومحيطه بانه مهد الحضارات ومهبط الوحي الالهي ..اي ان كل اشكال الحكمة واسس المعارف والعلوم الفكرية النظرية والروحية والفلسفية اغلب جذورها من هناك ….ومن هنا عقلا ومنطقا يفترض ان تكون الحالة اعتمادا على المرجعيات والقواعد والحكمة متجلية ومجسدة في كل شيئ .. ويكون الناس هم الرابحون الفائزون فيصدق عليهم كنتم خير امة اخرجت للناس كما قال ذلك الوحي الالهي عن بني اسرائيل وعن النصارى وعن المسلمين .. لكن ما سجله التاريخ يناقض بشكل كارثي ما يفترض حصوله ..وحاضرنا تتجلى فيه مفارقات لايمكن ان تقاس بعلم الرياضيات منفردا ..حيث يجب على الجميع تعليل غياب الحكمة والتبصر والتروي والمنطق في كل شيئ ..بل يسجل وجود تفسيرات وتاويلات تصدر وفق الطلب تطال اساءاتها مبادئ واهداف الديانات والعلوم والفلسفات بهدف تبرير الواقع البئيس والظلامي والدموي والتخريبي على انه نضال وجهاد وعمل “يتقرب” به الى الله .. ووفق ذلك فكل الارواح التي ازهقت وكل العمران الذي هدم وكل الموروث الثقافي الذي عمر في هذه الارض لالاف السنين حتى جاء البعض من هذا الجيل الذي لايمكن ان يكون الاصنفا من اصناف ياجوج وماجوج الذين احرقت بسببهم مئات الالاف من الاشجار ومنها النخيل التي لم تذكر في كل الكتب الا بالخير والجمال والبركة والتي ذكرها القران في مواضع عدة ..ففي العراق وحدها اتلف ودمر بالحروب ثلثي النخيل الذي كان بها اي الملايين..ناهيك عما حصل في اليمن وسوريا ..
عن أنس بن مالك رضي الله عنه قال ..”… ثم أتى رسول الله صلى الله عليه وسلم بقناع من بسر فقرأ مثل كلمة طيبة كشجرة طيبة قال هي النخلة. “
ان العقل المدبر الذي يحتاجه الفرد و الامة هو العقل الحكيم الذي لاينزلق وراء كل الرغبات والاهواء المدمرة والمغرقة في الانانية والتعصب الاعمى ..الذي لايقبل بالاخر ولايستمع لرايه ويسعى الى زواله او اضعافه ويبدل من اجل ذلك ماله وطاقته ووقته ويحشر الناس جميعا في مهالك حروب وفتن لايستطيع احد ان يوقفها لان حتى من يفترض فيهم ان يكونوا ضميرا للامة اصبحوا متقمصين لادوار حمالة الحطب …
ان الإسلام دين العقل والمنطق والموضوعية والحرية والافعال الرشيدة التي توقر الكبير والصغير والشجر والحجر ،انه يحترم ويبني الانسان بالارتكاز على العلم والمعرفة والخبرة والتجربة …
ولهذا فالانسان إما أن يجعل العقل إماما للصالح والطيب من القول والعمل ووعاء للعلوم والمعارف يفيد ويستفيد إيجابا …وإما أن يجعله إماما منحرفا متهورا يتبع الاهواء والرغبات التافهة ..ويتحرك بالتعصب الاعمى , ويقود نحو الضلالات , فيعادي كل ما فيه خير , ولا يترك من يبتغي الاصلاح , وفي مقابل ذلك يسعى للافساد في البر والبحر …
فأين العقل من كلّ هذا الذي نراه على مدار الساعة ولعقود خلت ومازال الدمار يتغول وتمتد آثاره إلى شرق الشرق وغرب الشرق وجنوبه وشماله بل يـعبر القارات , وكأنه بذلك يقدم نموذجا “شيطانيا” لتعميم وإيصال وتقريب همجية ياجوج وماجوج وعبدة ائمة الضلال الى القاصي كما تحقق مع الداني ..!؟ فمن اوقد الفتن الحقيقية وزرع الخراب هناك وفي كل المناطق التي نتبرك بذكرها وبالحديث عن الانبياء والرسل والصالحين والمفكرين والفلاسفة والفقهاء والمحدثين الذي ظهروا في احد مناطقها …؟
ان السير في الارض الذي دعت اليه الاية هو من اجل العيش الكريم ومعرفة أحوال الناس وطباعهم وثقافاتهم و من اجل العلم والتعلم وإعمار الارض ..وليس من اجل الافساد والاساءة والترهيب للآمنين في اية بقعة من بقاع العالم وترويع سكان الارض من هول وفضاعة ما يرتكب …
فاذا كان السير في الارض ارتباطا بالجسم يحقق حركة التنقل من مكان الى آخر .. فانه يسير بالعقل من مستوى أدنى الى مستوى افضل واحسن بالفكر وبالتامل والتدبر والتعلم ..و بذلك يتحقق السماع والفهم والتعقل المقصود في الاية …اما نقيض ذلك فدليل على وجود عمى في القلب والبصيرة يحجب انوار الحقائق ويضيع محبة المكان والزمان ويخاصم الحكمة ويقاطعها …
ان العين التي تدرك بوعي علمي وعملي ما تراه كل يوم وما تعرفه وتتعرف عليه وتراكمه ايجابا لايام وا اسابيع او سنوات لتفهم حقيقة الصورة التي ترى والمعارف التي خلصت اليها هي عين عاقلة رائدة …لكن من لايرى ذاته الا بتسفيه افكار واعمال الاخرين ويسعى الى الغاء وجود المخالفين له فلن يكون الا وجها من اوجه اسباب التخلف والجهل وتعطيل كل اشكال التطور …
ان نور الايمان والعلم والوجود يجعل الانسان متنورا وعاقلا وايجابيا في كل شيئ ولقد جعل التنويريون الشجاعة الهادفة بابا لتوظيف وتشغيل الانسان لعقله بنفسه..فلا مصلحة تتحقق بان يكون الانسان مقصرا , ولا يبني مستقبله على جعل الناس جاهلين وعاجزين عن الفهم والتمييز لالزامهم بالاتباع الاعمى للضلالات والترهات كما في اتباع الصالحات دون وعي بها بقصد التحكم ..
ان الحكمة لاتكون الا باحياء القلب والعقل وتنشيط الروح وتحريرها من التخلف والجهل الفكري والسياسي والديني..
ان هناك قلوبا في الصدور حقا وهي مشبعة حبا ومحبة يصدر منها وعنها الخير .. واخرى ممتلئة غلا وحقدا لامكان فيها للنور …وهم من قال فيهم تعالى ” كلا بل ران على قلوبهم ما كانوا يكسبون ” سورة المطففين …
ان الذين يعطلون وظيفة السماع والكلام و العقل و الفعل و الحركية المحققة للتطور والتقدم هم رواد للظلامية ومنظرون للظلم لايهمهم لا قال الله ولا قال رسوله بقدر مايهمهم كيف يتحكمون في الاتباع و العامة ويفعلون ما يحققون به مساعيهم لايراعون في الناس إلاّ ولا ذمة . -“إلاّ : اي قرابة”-
قال تعالى : ( وَقَالُوا لَوْ كُنَّا نَسْمَعُ أَوْ نَعْقِلُ مَا كُنَّا فِي أَصْحَابِ السَّعِيرِ ) * الملك
وقال : (صُمٌّ بُكْمٌ عُمْيٌ فَهُمْ لَا سورة البقرة
تارودانت : الخميس 20 يوليوز 2017.