لتصريحات وزيرة الخارجية الإسبانية، السابقة، آنا بالاثيو، أهمية خاصة حول التمويلات الإسبانية، لجبهة البوليزاريو، ليس لأنها كشفت سراً جديداً، لكن لأن أهمية هذه الاعترافات تأتي من مسؤولة كبيرة في السياسة الخارجية الإسبانية، تدرجت في هذا المجال، بالحزب الشعبي والبرلمان، إلى أن تولت حقيبة الخارجية، في ظل حكومة اليميني، خوصي ماريا أثنار.
ما قالته بالاثيو لا يخفى على المتتبعين للسياسة الإسبانية، حيث إن العديد من مؤسسات هذا البلد، ليس صناديق الادخار، وحدها، كانت تمول البوليزاريو، كما قالت الوزيرة السابقة في الخارجية، بل الحكومات المحلية والبلديات ومنظمات المجتمع المدني، وأيضا الأحزاب السياسية، كلها كانت تدعم مالياً ومعنوياً البوليزاريو، في إطار خطة محكمة لتضييق الخناق على المغرب، من أجل ابتزازه على مختلف المستويات.
المستوى الأول، هو إضعافه، خاصة في موضوع مطالبته بسبتة ومليلية والجزر، أما المستوى الثاني هو مساومته، باستمرار، على المستوى السياسي والاقتصادي، لذلك تحولت إسبانيا إلى أكبر داعم للبوليزاريو، عبر مؤسساتها، وبتواطؤ سلطاتها في التمويلات الجزائرية، التي تُمٓرِرُها ل»منظمات المجتمع المدني» المساندة للانفصاليين.
وسيكون من السذاجة إعتبار أن الجزائرهي أم البوليزاريو، وحدها، بل إن إسبانيا، هي أبوها أيضا، رغم أن الزواج بين مدريد والجزائر، لم يكن أبداً شرعياً، بل هو زواج سِفاحِ، أي «وطء المرأة» في إطار علاقة زنا، كما يقال في الشرع، أما على المستوى الجيوستراتيجي، فقد كان الأمر يتعلق بمحور ضد المغرب، حيث فُتِحت أبواب مخيمات تندوف أمام المستعمر الإسباني، بشكل لم يسبق له مثيل.
وقد تنوعت أشكال الدعم على المستوى الديبلوماسي، كانت إسبانيا صوت الجزائر في المنتديات والهيئات الدولية، وخاصة في البرلمان الأوروبي والأمم المتحدة، وعلى المستوى الإعلامي، لعبت وسائل التواصل الإسبانية دور الناطق الرسمي، باسم الانفصاليين، وعلى المستوى المادي، كانت جارتنا الشمالية هي المأوى الذي يحتضن الانفصاليين والمنظمات المساندة لهم، تحت عدة مسميات، أشهرها «جمعيات أصدقاء الشعب الصحراوي».
ما اعترفت به بالاثيو، ليس سوى غيض من فيض، أي قليل من كثير، غير أنه يكتسي أهمية استثنائية لمن يريد أن يدرس نزاع الصحراء المغربية، ويتعمق في خلفياته وتفاصيله والسياقات والمؤامرات المحيطة به.