تحُلّ يوم غد، 18 يوليوز، الذكرى السيئة لدخول القوات الإسبانية لجزيرة «تورة»، التي تبعد عن الشاطئ المغربي، بحوالي مئتي متر، لطرد جنود مغاربة منها. وبموازاة ذلك، كانت جارتنا الشمالية تعلن استعدادها للحرب، حيث تحركت بوارجها متجهة نحو المنطقة، في حملة عدائية لم تشهدها العلاقات بين البلدين، منذ العهد الاستعماري.
وقد خصصت وكالة الأنباء الفرنسية، لذكرى هذا الحدث، قصاصتين، تتحدث إحداهما عن الحدود الغريبة والمتفردة في الخريطة العالمية، التي تفرضها إسبانيا على المغرب، مثل المنطقة التي تحتلها في الشاطئ المغربي، وتسمى «باديس»، ويطلق عليها الإسبان «قميرة»، وهي أصغر «حدود» في العالم، حيث لا تتعدى ستين متراً.
وكانت باديس مرفأً مهما للمغرب، في العهد الموحدي، لكن اسبانيا احتلتها كما احتلت جزرًا أخرى، وكذلك مدينتي سبتة ومليلية، لتطوق المغرب، في البحر الأبيض المتوسط، وتغلق عليه أهم الموانئ والمنافذ البحرية.
ويمكن القول إن المغرب تأثر كثيراً بهذا الواقع الاستعماري، مما جعله يدير ظهره لمنطقته الشمالية، في غياب تام لأية إرادة سياسية، لتجاوز هذا الوضع، تاركاً مدن الشمال وقراه، تحت رحمة التهريب وزراعة الكيف وتسويقه، كمصادر أساسية من المصادر الاقتصادية لسكان المنطقة.
وعاش المغرب في ظل مفارقة كبيرة، حيث أن شماله كان هو الأكثر تخلفاً، على عكس ما يحدث في عدد كبير من بلدان العالم، رغم أن المنطقة الشمالية المغربية، تتمتع بوضع جغرافي جيد على المتوسط، وبوفرة نسبية في التساقطات المطرية وقرب من أوروبا وتاريخ حضاري متميز.
ومن الواضح أَن السياسة تجاه الشمال قد تغيرت، مع اعتلاء الملك محمد السادس عرش المغرب، خاصة بعد انطلاق الأشغال الكبرى بعدد من مدن المنطقة، وإنجاز ميناء طنجة المتوسطي، وغيرها من المشاريع، من بينها مشروع منارة المتوسط بالحسيمة.
كل ما يتم من مشاريع في الشمال المغربي، يتميز بأبعاد متعددة، فبالإضافة إلى بعده الاقتصادي والاجتماعي، فإن له أبعاداً أخرى سياسية، من قبيل مصالحة الدولة مع المنطقة، لكن البعد الإستراتيجي هو الذي ينبغي أن يحظى بكل الاهتمام والوعي واليقظة، من قِبٓلِ جميع الأطراف، يتمثل في المعركة الصامتة التي تجري من أجل التنمية الشاملة، بمشاريع كبرى ومهيكِلة، لتضع حداً لكل التخلف الذي ساد في الشمال، وسهّل على اسبانيا مهمتها الاستعمارية.