شهدت منطقة الريف احداثا مؤسفة في الاونة الاخيرة تتجلى في الاحتجاجات الجماعية و الاشتباكات بين المتظاهرين و بين رجال الامن و افراد من القوات المساعدة ، و قد نتج عنها جرحى في صفوف اطراف المواجهة من كلا الطرفين ، كما اسفرت عنها اعتقالات لعدد من متزعمي الاحتجاجات التي مازالت مستمرة الى الان رغم التخفيف من حدتها ،  و قد حظيت هذه الاحداث باهتمام لدى الرأي العام الشعبي و الرسمي و على رأسه جلالة الملك و بالإضافة الى الاعلام الدولي و الوطني  .

و للوقوف على حقائق الأحداث و ملابساتها و أسبابها و للحيلولة دون استمرارها اعطى جلالته تعليماته و توجيهاته لمعالجة المشكل. لهذا امر جميع اعضاء الحكومة كل على حسب اختصاصه بالتوجه الى الر يف قصد انجاز المشاريع التنموية في المنطقة و اتمام ما تم تدشينه منها كبداية اولية للاستجابة لحاجيات السكان في مختلف المجالات .

و للإشارة فان الاحداث في الريف ليست وليدة اليوم ، فقد شهدت المنطقة انتفاضة في اواخر الخمسينات من القرن الماضي و تم القضاء من طرف القوات العمومية برئاسة الحسن الثاني كوالي العهد انداك . و بعدها جاءت احداث مماثلة سنة 1984 و تم القضاء عليها .  و على اثرها جاء الخطاب الملكي ليوصف المشاغبين بالأوباش . اما بالنسبة للأسباب فقد تضاربت في شأنها الاراء منها من يبدو ظاهريا و منها المسكوت عنه . و اكثرها يحوم حولها الالتباس و الارتياب ، و من المؤكد ان ثورة عبد الكريم الخطابي الرامية الى طرد المحتل الاجنبي و تحرير المنطقة و كان لها دور في الأحداث تفيد ان الفكر الثوري مازال يلقى بظلاله على الاجيال . كلما شعرت بالحيف و التهميش . و قد كان الخطابي رحمه الله يسعى انذاك لاقامة جمهورية . و يبدو ظاهريا ان الاسباب في الاحداث الحالية هو الشعور بالتهميش و عدم الوفاء بالوعود من عدة جهات ليس فقط من اجل التنمية و تلبية الحاجيات الاجتماعية و الاقتصادية للمواطن . و حتى الوعد الخاص بالسماح و الترخيص لزراعة القنب كان حاضرا . و يوجد بالمنطقة اباطرة الاتجار بالكيف الذي يجلب لهم المال من الداخل و الخارج . و هناك من يرى ان الامر يتعلق باحراج  الحكومة من طرف البام بعد فشله  في تولية  الحكومة بدلا من العدالة و التنمية في اطار المنهجية الديمقراطية المنصوص عليها في الفصل 47 من الدستور و كان يعتقد جازما انه سيتصدر الصف الاول في الانتخابات التشريعية المجراة يوم 7/10/2016  . و ان فشله كان حاضرا في الاحداث . اما انتحار الشخص الذي يتاجر في السمك المحظور من الناحية القانونية حين تم ضبطه متلبسا بحمولة من السمك ما هو إلا النقطة التي افاضت الكاس . اما  الاسباب الحقيقية فلم يتم الكشف عنها اطلاقا . لان الريف قد شهد مثل هذه الاحداث عبر التاريخ . و مما لا شك فيه انها جاءت في ظرفية تاريخية صعبة اتخذت منحى خطير في ابعادها المتعلقة أساسا بأمن البلاد و استقراره الذي  يتمتع بهمـــا و يحسد عليه خلافا لمثيلاته من الدول العربية الاسلامية بالنظر لما يجري في المشرق العربي و ليبيا و تونس و مصــــر . و مايجري الان في مجلس التعاون الخليجي .

و اعتقد ان من يرجح هذه الاسباب الى رغبة اهل الريف في الانفصال و المس بوحدة البلاد و امنه ما هو الا در الرماد في العيون لتبرير اهدافهم و التعامل مع الاحداث حفاظا على مصالحهم الخاصة الانية و المستقبلية لكسب تقة اهل الريف في الانتخابات و تنمية ثرواتهم .

و الواقع في نظرنا ان السبب الرئيسي فيما يقع من احدات في اغلب مدن المملكة هو اثارة انتباه المسؤولين لاوضاعهم المزرية و فشل السياسات المنتهجة في البلاد في المجال السياسي و الاقتصادي و الاجتماعي من طرف الحكومات المتتالية عن الشأن العام  ( باستتناء حكومتي المرحوم عبد الله ابراهيم و اليوسفي حيت تم اجهاضهما  بالتو .) . و كان من انجازات تلك الحكومات انتشار الفساد في مرافق الدولة و النهب و اختلاس المال العام و تنامي ظاهرة الرشوة و هذا ما ادى الى اتساع دائرة الفوارق الطبقية اقلية في وضعية البدخ و الترف و اغلبية تعاني و توجد في اسفل عتبة الفقر . و تمخض عن هذا الوضع تنامي الاجرام و الانضمام لشبكات الارهاب . و هكذا فان جميع مؤشرات الاحتقان متوفرة ليس فقط في الريف حيث اندلعت الاحداث بل في جميع المدن و القرى و الدليل على ذلك ان المغرب يشهد حاليا العديد من المسيرات و المظاهرات و الاحتجاجات مطالبة بمحاربة الفساد بكافة اشكاله . و تضمنت العديد من المكونات و الاطياف السياسية و التقافية و المدنية من مرجعيات متعددة و مختلفة من اليمين و اليسار و الاتجاه الاسلامي المعتدل و الراديكالي حيت استقطبت عدد كبير من الشباب المتحمس و التواق الى التغيير .. و في نفس الوقت فقد باتت الاحزاب ضعيفة لا تقوم بدورها التأطيري كما تفتقد الى المثقفين و المفكرين ..

اما الحكومة فلا يجمعها برنامج حكومي موحد و فشلها الذريع جعل دورها ينحصر في تطبيق التعليمات و التوجيهات التي همت كافة المجالات سياسيا و اقتصاديا و دينيا و ثقافيا مما يعكس من جهة الحضور القوي للمؤسسة الملكية باعتبارها الفاعل الاكبر و الاقوى في الحياة السياسية و المعرفة . و بذلك فان المسؤولية ليست بهينة و على جميع المغاربة الذين يتوفرون على قسط من الروح الوطنية ان تضاعف الجهود و الالتفاف حول ملك المغرب بالصدق و ليس بالنفاق لانقاد ما يمكن انقاده . و على المسؤولين ايضا السعي لايجاد حل للواقع في الريف بالحكمة و الموعظة الحسنة و يطيعوا والي امرهم في المعروف لان طاعته طاعة الله و رسوله لمواجهة التحديات الداخلية و الخارجية التي يواجهها المغرب . و بالتالي العمل على ان يتوفر المغرب على المناعة في وجه تدفق الافكار و المعلومات الغير المرغوب فيها و التي لها دور في احداث الريف ايضا و قد كان للتورة التكنولوجيا دور في  تعزيز القدرة الاختراقية للمعلومات في وجه القيود و الضوابط الرسمية . و تعمل على انتاج وعي الانسان في العالم .و كان تأتيرها بالخصوص في اوساط الشباب . و هكذا اصبحت القيم و الرموز و المعايير و المرجعيات تصاغ خارج الجغرافية و الاجتماع و الثقافة الوطنية . ومن تم برزت درجة تاثير العولمة على الانسجام المجتمعي و ما قد ينتج عنه من انتشار العنف . و هذا سبب لا يجب اغفاله فيما يجري في الريف .

لهذا يجب ان يستوعب المغاربة اليوم ان مغرب اليوم ليس مغرب الامس و عليه ان يكون قويا سياسيا و ديمقراطيا و اجتماعيا و اقتصاديا و حقوقيا .  اما ما يجري في الريف فله عدة اسباب ظاهرة و باطنة يجب ان نستخلص منها العبرة لكي لا يتكرر الامر في مدن اخرى كما وقع بالبيضاء في 20/06/1980 و فاس 1992 و هكذا و لا يفوتني ان اشير الى ترسيخ المسألة الدينية و ثقافته في صفوف الشباب .

اما بالنسبة للاتحاد الاشتراكي فقد تضامن مع سكان الريف في مطالبهم المشروعة في مؤتمره العاشر و على لسان الكاتب الاول . و كذلك بمناسبة انعقاد المجلس الجهوي للحزب بطنجة و ما سواها من المطالب المشروعة فانها مرفوضة سواء تعلق الامر بحرمة بيوت الله و البلطجة و غيرهما من اعمال العنف و العنف المضاد و التعديب و كل ما يمس بكرامة الانسان و حقوقه . و واجبنا كمغاربة يقتضي الوحدة و العمل لكل ما فيه مصلحة الوطن و المواطن و نبذ الاختلاف و التفرقة و التعاون على البر و التقوى و ليس التعاون على الاثم و العدوان .

كما سبق ذكره فان شروط الاحتقان متوفر في اغلبية مدن المملكة نتيجة التهميش و جور بعض مسؤوليها و ظلمهم . و مع ذلك فقد التزم سكانها الصمت و الهدوء . واجهوا الاستبداد الظلم و المعاناة بالصبر . و اوضاع هؤلاء اجدر بالالتفاتة لئلا ينفذ لديهم هذا الصبر و يحدث ما لم يكن في الحسبان اقتداءا بما يقع في الريف .

وارزازات : علي المرابط

الاربعاء 12 يوليوز 2017.

 

 

‫شاهد أيضًا‬

اليسار بين الممكن العالمي والحاجة المغربية * لحسن العسبي

أعادت نتائج الانتخابات البرلمانية الإنجليزية والفرنسية هذه الأيام (التي سجلت عودة قوية للت…