من المشروع التساؤل عن مدى جدية وموضوعية الجدل والنقاش الدائر اليوم، في مختلف القضايا الشائكة التي يعرفها الواقع المغربي، خاصة في الشبكات الاجتماعية، لأن ما يطفو على السطح، بالدرجة الأولى، هو تغليب العنف اللفظي، أو ما يمكن أن نطلق عليه تسمية العنف الرقمي، الذي يعتمد أساساً أسلوب السب والقذف والتهجم، أحيانًا بمصطلحات بذيئة وساقطة.
لا يتعلق الأمر ببعض الجرائد والمواقع الرقمية، فقط، بل أيضا بالتعليقات التي ترافق الموضوعات المنشورة، من طرف المشاركين، التي تعتبر جزءًا مهمًا من مضامين ما يروج في الشبكات الاجتماعية، و من المفترض أن تُمارس حقها في حرية التعبير.
غير أن الواقع، في بعض الأحيان، مخالف لهذه الصورة، حيث إن هناك العديد من النشرات الرقمية تتوجه نحو الإثارة، في تناقض تام مع معايير العمل المهني، بل مع أخلاقيات مهنة الصحافة، لكن وَمِمَّا يضاعف من هذه الآفة هو ما يرافق هذه النشرات من تعليقات، لا تعمل سوى على إنتاج ما هو سائد في المجتمع من قيم العدوانية اللفظية والنميمة و التهجم على الناس، بدون حجج، بل بترديد نعوت واتهامات مجانية.
ويمكن القول إن الخلفية التي تعتمدها هذه النشرات والتعليقات السيئة، لا تختلف كثيرًا عما يسمى حديث المقاهي، بل هناك معلقون وصفوها بما هو متعارف عليه في ثقافتنا الشعبية ب»كلام الحمامات»، بسبب المصطلحات المستعملة وطريقة الجدل، التي تبتعد كلية عن مضمون الاختلاف، وتركز –أساسًا- على التحامل الشخصي والتبخيس من قيمة الطرف الآخر، والتنقيص من قيمته، والطعن المجاني في مصداقيته، بل وحتى عرضه وكرامته…
لم يبقٓ هذا النوع من الاستعمال الرديء، للشبكات الاجتماعية، مجرد تصرف شخصي، من أفراد معزولين، بل ظهر أيضاً على شكل منظم، من خلال ما سمي ب»الكتائب الإلكترونية»، وأصبح شبه شائع في التعليقات،حيث ينتظم أشخاص على شكل حلقات افتراضية، يهاجمون الخصوم ويدافعون عن «قبيلتهم».
ويمكن القول إن هذا النوع من الجدل، لا يختلف كثيراً عن ثقافة الهجاء المعروفة في الشعر العربي، كما أن هذا الأسلوب الهجائي ساد أيضا بين العشائر والعائلات المغربية، خاصة في البوادي، حيث كانت الجماعات تتفنن في السخرية ومهاجمة الخصوم، ضمن ثقافة «انصر أخاك ظالماً أو مظلوماً».
فالأمر، يتعلق بإعادة إنتاج ثقافة سائدة في المجتمع، تتجاهل الحق في الاختلاف، واحترام الرأي المخالف، تلجأ للتهجم والعنف اللفظي، كردّ فعل مسبق، بعيداً عن استعمال العقل والنقاش الهادئ المعتمد على الحجج والمعطيات الملموسة والمنطق السليم.