(*) في الحديث عن التدخل الملكي و”التضخم” الحقوقي
أشياء كثيرة وقعت في حركية الريف أو أثناءها أو في محيطها لم تحدث من قبل أو حدثت في زمان بعيد لم نعد نذكره في وسط حرارة الحدث..
-1- لم يكن تدخل جلالة الملك في التطورات الحاصلة، واردا بنفس الجدل الذي يحدث اليوم، سواء من حيث طلب المحتجين ومن يمثلهم، طريقة الطلب التي تقدم بها هذا الموضوع، أو من حيث مناقشة الموضوع في الأوساط الإعلامية والسياسية أو طرح السؤال، المباشر والبعيد عن أية لغة معيارية كما في مناسبات من النوع الذي يهم شخص الملك الواجب دستوريا توقيره واحترامه:.
وقد اعتاده المتتبعون في الآونة الأخيرة ،على اعتبار أن كل المطالب التي يعبر عنها الشارع، واقعيا- عبر الوقفات والتفاعل مع قضايا ما- أو عبر الفايسبوك والشبكات الاجتماعية، تخلق لنفسها أفق انتظار، ينبني على تجاوب ملكي مفترض. وهذا ما حددته، قضايا سابقة، كانت فيها المواقع الاجتماعية تقدم طلبا سياسيا، سرعان ما يتحول إلى عرض سياسي، بدون تبني مهيكل أو مؤسساتي، يتم التجاوب معه.. والحالات ما زالت قائمة في الذاكرة كما في قضية كالفان أو وزارات »الكراطات والزيجات « أو غيرها..
وقد زاد من هذا الطلب، في قضية حراك الحسيمة، كون ملك البلاد كان قد قطع مع أسلوب علاقة وتواصل في الريف ومعه، بعد أزيد من أربعة عقود تميز بالغياب الملكي في العهد السابق.
إذ لا يمكن أن يسقط من ذهننا أن جلالته، قد غير طبيعة العلاقة بين الملكية والريف… عبر الزيارات التي قام بها إلى المنطقة بوتيرة غير مسبوقة، وعبر التواجد في لحظات متنوعة، من المأساوية كما في الزلزال ، أو الحميمية كما في العطل الخاصة، أو عبر المتابعة المباشرة للأوضاع في المدينة والإقليم. وقد تابعنا العديد من القضايا التي احتلت الصدارة في أخبار البلاد ( محاكمات واعتقالات وإحالات قانونية وقضائية في ملفات ذات علاقة بالتدبير أو بالفساد أو بالشطط أو بالحكامة إلى غيرها ) مما ركز الصورة العالية الإيجابية لملك في انتباه دائم لما يحدث في الريف، لا سميا وقد كان الملك الراحل المرحوم الحسن الثاني قد طبع سياسته إزاء الريف، منذ كان وليا للعهد في 1958 ومآسيها، والتذكير بهذه العلاقة المأزومة في لحظات أخرى لا تقل عنها مأساوية في أحداث …1984 بطابع الجفاء إذ أن الراحل رحمه الله لم يسبق له أن زار المنطقة ولو لحظة واحدة.
وفي السجل المجالي لإعادة الاعتبار للمنطقة، كانت العاصمة الرمزية للمجال أجدير ، موعدا للزيارات التي بنت الوجه الجديد للحسيمة في الأجندات الملكية :اللغوية، التاريخية، الحكاماتية، المعنوية والاستثماراتية..
ولا شك أن هذا الماضي القريب البعيد يعطي للتواجد والتدخل الملكيين بعدا لا تخطئه العين المتتبعة، بغض النظر عن الطرق التي يتم بها التعبير عن مطلب الرعاية الملكية للخروج من الاحتقان..
(*) في التعبير عن المطلب ذاته بالتدخل ، هناك مضمرات كثيرة تعلن عن نفسها، يتم التعبير عنها في الصحافة بلا حرج:ماذا لو كان التدخل غير حاسم في وضع نقطة النهاية في ملف تداخل فيه التاريخ، بالمجتمع، والسياسة بالانهيار النسبي للنظام الحزبي والتمثيلي، وانهيار نموذج اقتصادي دام عشرين سنة أمام توجهات جديدة للدولة؟
ماذا سيبقى من الحكومة،
ومن البرلمان
ومن الأحزاب
ومن النقابات، إذا كان ملك البلاد، وحده يجد الحلول ، سواء في الضراء أوفي السراء..
وهذه المضمرات ، تتوقع نزع فتيل التوتر عبر عرض مسارات عدلية تتعلق بالعفو عن المعتقلين وفتح طريق آخر للتوتر من أجل خروج المعادلة من منطق الأزمة..
-2- لا يمكن إغفال التحرر الذي طبع اللغة التداولية في مجال من هذا القبيل، ربما قد لا يتبادر إلى ذهن جيل بكامله ممن عاشوا في مشهد لغوي مسيج بالأعراف البروتوكولية الطاعنة في الرتابة والتحفظات.
وهذا التحرر أو التحرير المدهش في اللغة، وفي الخطاب والتعبير عن المواقف أصبح مادة تداولية تبني الخطاب المغربي الحديث، أيما كانت مصادره:رسمية أو شعبية، ملكية أو عفوية.. الخ ..
وقد يكون لقاموس الربيع العربي وخروج السياسة إلى الشارع، بعيدا عن ترتيبات السرايا بعض دور فيه، من حيث القرب الزمني إلينا، لكن تستدعي الحقيقة القول بأن أحد العناصر الأساسية في هذا التحرر في الحديث عن الملكية ودور الملك في اللحظات الحرجة، بدون اشتراطات احتياطية، سببه ، في جزء كبير، اللغة المتحررة للملك نفسه، والتي خلقت أفقا أوسع جعل المواطنين يمتحون من السقف الجديد للتواصل، وبعد الدهشة الأولى لطبقة اعتادت اللغة المسكوكة والمواربة، جاء التماهي مع القاموس الملكي، وفي هذا الإطار يجدر بنا القول إن :كل التعابير والموضوعات التي يستعملها الداعون إلى الإصلاح، أو المفعلون له عبر الاحتجاج، أو الذين يتفاعلون مع خطاباته، يستعملها الملك ذاته، بل هي ميزة ما تم التعارف عليه باسم جيل جديد من خطب الملك : القاموس في الخطب يبدأ من الإصلاح ولا يقف عند محاربة الفساد
والسؤال حول الثروة،
والكرامة، والفقر،
ونهاية السياسات المطمئنة إلى رشدها والحديث عن السياسات الحقيقية
والتفاعل مع محاربة الرشوة والغش الإداري
والضعف في المؤسسات والعجز في التمثيلية ونقد السلوكات الانتهازية والظرفية أو الضيقة… مما يشكل إسمنتا حاليا للغة المنددة بما يقع في اليومي الإنساني للناس والجماعات..
-3- قانون جنائي حديث العهد منذور للتفعيل دفعة واحدة:عندما نقرأ ما تناهى إلينا من فصول متابعات المعتقلين، نشعر وكأن الفرصة المتاحة للقانون الجنائي المغربي، لتجريب كلي وشامل وميداني هي الآن والهنا ..
كل الترسانة موجودة، في ما يتعلق بالقضايا الشائكة:
التخابر مع جهات أجنبية
أمن الدولة
الإرهاب
إتلاف الممتلكات العامة
التظاهر غير المرخص
جرائم ضد أعوان الدولة
الأمن العام..
وفي المقابل هناك «تضخم» حقوقي في المتابعة، من ضفتي المجتمع، أي الرسمي وغير الرسمي، بوجود هيئات تلتقي في التيمة المركزية حول الحقوق: وزارة حقوق الإنسان، التي يبدو أنها لم تتحرر بعد من تاريخ نشأتها وارتباطاتها الأولى ، المندوبية والمجلس الوطني، الذي كان من المفروض أن ينوبا عن جميع الهيئات ذات الطابع الدولتي، وليس الرسمي فقط، في تدبير مرحلة ما بعد المصالحة الوطنية الشاملة، وهناك الكم الهائل من الجمعيات التي تضع المسألة الحقوقية هي المدخل للتباري في التعبير، أو تحديد صك الولادة داخل المجتمع….
ولا نسأل بالفعل عن الجدوى الميدانية لهذه التعددية، إذا ما تجاوزنا طبعا جدوى التواجد تحت سقف واحد بفكرة واحدة ولكن بمظلات مختلفة..
نحن لا نسأل هذا السؤال، كما لو أن الانتماء إلى الفكرة الحقوقية وحده كفيل بإعطاء الحق في تعددية مفتوحة على كل الضفاف ….