رسم المجلس الأعلى للحسابات في مذكرة له صورة مأساوية لأوضاع التعليم ببلادنا،حيث وضعت الأصبع على عدة جروح تعاني منها المنظومة التعليمية، وتقف في وجه تطويرها بل وتنذر بتدهور حالها ما لم يتم تدارك الأمر بإجراءات استعجالية . أبرز ملامح هذه الصورة التي تهم الموسم الدراسي الذي نودعه هذا الأسبوع :
الوزارة الوصية على القطاع، لم تتمكن من توفير الموارد البشرية اللازمة لتغطية حاجيات المنظومة، وأن التوظيفات بالتعاقد جاءت متأخرة مما أثر سلبا على ظروف تمدرس التلاميذ .
إن هذا الموسم، طبعته اختلالات ونواقص، منها أقسام مكتظة يتكدس فيها 38 بالمئة من مجموع التلاميذ داخل أقسام يفوق عددها 49 ألف قسم .وهناك خصاص على مستوى هيئة التدريس مجموعه 16700 مرس . ونسبة الهدر المدرسي والانقطاع على الدراسة مرتفعة، إذ طالت هذه السنة 218 ألف تلميذ، أي 4 بالمئة من مجموع التلاميذ نصفهم من السلك الثانوي الإعدادي .كما أن هناك ضعفا للتخطيط المدرسي وعدم احترام عدد ساعات التدريس النظامية . .
تقرير المجلس الأعلى للحسابات، يعد امتدادا للتقرير الذي أصدره المجلس الأعلى للتربية والتكوين قبل أسابيع، ورصد فيه أن هناك اختلالات فظيعة في مجالات التربية على القيم بالمدرسة المغربية، أبرزها التفاوت بل الهوة السحيقة بين أهداف البرنامج الدراسي وواقع الممارسة التربوية .
التقرير، الذي جاء تحت عنوان «التربية على القيم بالمنظومة الوطنية للتربية والتكوين والبحث العلمي»، خلص إلى أن المضامين والوثائق المرجعية المقدمة للتلاميذ، لا تتلاءم ولا تواكب التشريعات والمستجدات المؤسساتية والمعرفية الحاصلة في بلادنا وعلى الصعيد الدولي، وأن هناك تناقضات وتعارضات جمة بين مقررات ومواد دراسية، تؤدي إلى تضارب في التمثلات واتجاهات السلوك لدى المتعلم.
ورصد هذا التقرير تزايد انتشار الظواهر السلبية، كالغش، وتعاطي المخدرات، وعدد من الممارسات المنافية لقيم المدرسة.
وحمل التقرير مسؤولية المشاكل، التي تتخبط فيها المدرسة المغربية على مستوى القيم للدولة المغربية،
أولا، من خلال المؤسسات المسؤولة بشكل مباشر على المدرسة،
وثانيا للأطر التربوية والإدارية لضعف التكوين ولاعتماد تكوينات غير مجدية تتسم بطابع الموسمية.
إن ملف التعليم إذن، بمختلف جوانبه، يجب أن يكون من أولوية الأولويات اليوم قبل الغد . ملف لا يحتاج إلى إجراءات ترقيعية لا تستهدف عمقه بل إلى جرأة في إحداث ثورة بنيوية تشمل خرائطه وعنصره البشري ومضامينه . وقد أشار البيان الختامي للمؤتمر العاشر للاتحاد الاشتراكي، الذي انعقد قبل شهر بأن « ورش إصلاح التربية والتعليم، استراتيجي، بالنسبة لبلادنا، التي عانت من هدر متواصل، في أهم ركن من أركان وجودها، وهي مواردها البشرية، وفي هذا الإطار، فإنه لا يمكن عزل هذا الورش، عن إصلاح المدرسة العمومية، وعن متطلبات الحداثة والعمل على انخراط المغرب، في مجتمع العلم والمعرفة والإبداع، والانفتاح على ثقافات العالم ولغاته الحية الفاعلة، وذلك بالتخلي عن كل الأغلال التراثية والثقافية واللغوية والمنهجية، التي يرزح تحتها التلاميذ والطلبة، والتي جعلت من تعليمنا نموذجا للفشل وإعادة إنتاج منظومة التخلف».
إذن إصلاح التعليم يمر حتما من بوابة المدرسة العمومية، التي يجب إعادة الاعتبار لها، ووقف تدهورها،ونتمنى أن تجد تقارير المؤسسات الدستورية ومطالب القوى الوطنية من أحزاب ونقابات صدى لها في هذا الإصلاح المستعجل.