معنيون نحن، منذ قمة مراكش حول المناخ، بمزاج الرئيس الأمريكي وعقيدته الاستراتيجية إزاء الكوكب..
معنيون لأننا استضفنا العالم كله، لنصير حراس توصياته حول السلامة الصحية والحرارية للكوكب، والسهر على كل ما له علاقة ببقائها على قيد الحياة
وقيد الطبيعة..
ومعنيون لأننا سنقضي سنة كاملة، من الكوب 22 إلى الكوب 23، إذا قدر لها أن تكون ونحن نرأس القمة، ومندوبيتها الإنسانية، في شخص وزيرنا السابق في الخارجية ووزيرتنا السابقة في البيئة ومزاج الطبيعة..
وهذه المسؤولية تضعنا وجها لوجه مع الرئيس دونالد ترامب..
والرئيس الأمريكي لا يحب الأرض،
إلا إذا كان يوسف فيها،
أو نرسيس الذي يردّد «اجعلني على خزائنِ الأرض…». لهذا حببت له السياسة من كل أمرنا، المال والسلاح، ولم تحبّب إليه الأرض التي خرج من معاطفها، ورماها في الشك القادم. فقد أعلن، وهو في بيته البيضاوي، أن القارة القوية غير معنية باتفاقيات المناخ التي اتفقت بلدان العالم، بأغلبية ساحقة، على احتضانها. قالت الشعوب إن الأرض مريضة، وإن المناخ نزلتها القاتلة، ولكن دونالد ترامب كان له رأي آخر، واعتبر تلك مؤامرةً صينيةً رعاها الرئيس الذي سبقه، باراك أوباما.

قرّر الرئيس الأمريكي، دونالد ترامب، الانسحاب من اتفاقية باريس للمناخ، بعد أشهر من المماطلة حول مشاركة الولايات المتحدة في الاتفاقية التي كان وعد في أثناء حملته الانتخابية بإلغائها، واعتبرها لما صار رئيسا ليست في صالح الولايات المتحدة، وقال «لا أريد أن يقف أي شيء في طريقنا» لإنهاض الاقتصاد الأمريكي.

الاتفاقية أبرمتها 190 دولة في نهاية 2015 في العاصمة الفرنسية، تحت إشراف الأمم المتحدة، كان يحدوها الأمل في وقف ارتفاع حرارة الأرض، عبر خفض انبعاثات الغازات الدفيئة، غير أن الانسحاب الأمريكي منها سيعني احتضار الأمل، وسيشكل تفكّكا فعليا بعد 18 شهرا على هذا الاتفاق التاريخي الذي كانت بكين وواشنطن، في ظل رئاسة أوباما، أبرز مهندسيه.

ما الذي يجعل الرئيس يخاف من اتفاق العالم؟ احتقاره كل الاتفاقيات الدولية، وليس هذه وحدها، فهو سخر من اتفاقية الـ»ترنسباسيفيك»، كما رفض الاتفاق الدولي مع إيران بشأن التسلح النووي، واعتبره خطأ فادحا، وفاضحا نيات سلفه أوباما.
«لعل أبشع ما يمكن أن يصيب البشرية أن تنزع القيادة الجديدة للعالم إلى تفويت فرصة إنقاذ الأرض، وإشعال حرائقها المناخية»

ليس ذلك فقط، فهو، على قدر تحذيرات الفيلسوف الذي فرح، ذات ليبرالية، بنهاية التاريخ. فرانسيس فوكوياما لا يتفق على ما أصبح العام يعتبره «منظومة الأمن الدولي»، ميالا إلى قومية أمريكية تكاد تكون شوفينية، حين يتعلق الأمر بالنظام السياسي العالمي، وكذلك في ما يتعلق بالسياسة الاقتصادية. لهذا، يعلن كل مرة أنه سيسعى إلى إعادة التفاوض على الاتفاقيات التجارية الحالية، مثل «النافتا» ومنظمة التجارة العالمية.

وفي الواقع، ميله إلى الخروج من منظومة الأمن العالمي، بكل مستوياته، هو أحد مقومات فلسفة ثلاثية الأضلاع، تنبني على «أحادية» واضحة في تدبير العالم، برفض الاتفاقيات الدولية والاستهزاء بها، والنزعة الميركانتيلية التي تعتبر أن كل شيء يرتبط بالمال، وليس هناك غير المال، وثالث أضلاعها هو العدوانية، ممثلة في تقوية الصناعة العسكرية، والتشجيع على اقتناء الأسلحة، وبناء درع دائم من الخوف للاستثمار المربح في الويلات البشرية!

وخلاصة فلسفته هي النزوع الأحادي، والعدوانية العسكرية والسوق في العلاقات الدولية لا غير، سواء تعلق الأمر بالدول الغنية أو بالحلفاء التقليديين، كاليابان، أو بحلف شمال الأطلسي (الناتو) نفسه.

ولعل أبشع ما يمكن أن يصيب البشرية أن تنزع القيادة الجديدة للعالم إلى تفويت فرصة إنقاذ الأرض، وإشعال حرائقها المناخية، لأن «نيرون» الجديد لا يحب اتفاقية المناخ.
في قلب العداء الجديد للكوكب، هناك العداء للعلم، ولنتائجه التي تحذّر البشر من مآل كوكبهم، وإلى جانب ذلك وبموازاته، عداء للبشرية.

لنا أن نتساءل: أليس تهديد الأرض تهديدا للبشرية، وبالتالي، فإن جريمة ضد الأرض هي جريمة ضد الإنسانية أيضا، وبمبرّرات أكبر، فإن الذين سبقوه كانوا متهمين بجريمةٍ ضد الإنسانية، لأنهم قتلوا وذبحوا وقضوا على ملايين البشر من على الأرض.

واليوم يريد ترامب أن يقضي على البشرية بالقضاء على الأرض نفسها. الذين سبقوه من أعداء البشر، كانت معادلتهم السابقة «أرض بلا بشرية، إلا من الجنس المختار»، ومعادلته الجديدة في الجريمة: بشرية بلا أرض.

يطلق الرئيس الجديد النار على أفكار الرئيس السابق، فيصيب الأرض في مقتل، ولا أحد يشكّ في أن الانسحاب المعلن الذي رفعه ترامب، ستكون له عواقب وخيمة على التعاون الدولي، وعلى المجهودات، العلمية منها والحضارية، لتطوير طاقاتٍ متجدّدة، مائية وشمسية وهوائية، لتضميد النقص الذي سيخلفه القطع مع الاستهلاك المفرط للوقود، لتجنيب الكوكب احتباسا حراريا، هو رديف الاحتضار بالنسبة للإنسان.

ولعل من أبرز العوائق التخفيف من درجة التعبئة، والفرملة المقصودة للحماس الدولي حول هذا الاتفاق الذي يعدّ من جيل الاتفاقيات الجديدة، في الالتزام الكوني للبشر حاليا. التزام آخر أصبح يشكل العلامة الفارقة في الانحياز إلى مصير البشرية.

سبق للمستشار المناخي لبيل كلينتون، نائب وزير الخارجية، تيموتي ويرت، أن صرّح بأن الذين ينكرون الحجج العلمية حول الاحتباس الحراري يجب محاكمتهم بتهمة جرائم ضد الإنسانية.

 

الاثنين : 19 يونيو 2017.

‫شاهد أيضًا‬

عندما توسط الحسن الثاني بين شاه إيران والخميني * عمر لبشيريت

يحكي عبداللطيف الفيلالي رحمه الله، وزير الخارجية والوزير الأول الأسبق، أن اتصالات المغرب ب…