خرج التضامن من العالم الافتراضي، المترامي الأطراف
إلى العالم الواقعي المترامي الأطياف!
ولم يختلف الناس سوى في حجم الحشود التي اعتنقت مطالب الريف، في قلب عاصمة المُلك. …
كانت التوجسات كبيرة من هذا الخروج الذي تداعت إليه القوى المختلفة، سواء خارج دائرة الحقل القانوني الشرعي في ممارسة الفعل السياسي والمدني، أو التي توجد في أطرافه القصوى وعموم الذين شعروا بأن المسيرة تعنيهم من حيث مطالبها وأهدافها..
-1- صلاة الغائب:
وسمحت السلطات بتنظيم المسيرة، رغم تصريحات الناطق الرسمي باسم الحكومة مصطفى الخلفي، بأن المسيرة غير مرخص لها، ذلك ليلة انطلاقها..
وصار الأمر على التالي: الذين لم يحضروا هم من أصبحوا مطالبين بتفسير عدم الحضور، وليس الذين حضروا، كما قد يوحي بذلك قرار الحكومة.
الحكومة التي »نبهت« إلى عدم الترخيص لم تستطع تنفيذه عمليا، وبالتالي مرت المسيرة في جو عاد، وصارت أمرا واقعا، غابت عنه كل مظاهر التوتر بين المتظاهرين أو الدولة..كما لو أن الدولة لم تنصت إلى تنبيه الحكومة…
وهو مؤشر يتكرر في سياق مختلف عن بداية الحراك الشعبي بالريف …
-2- مهنية بميساج سياسي:
بالرغم من التوجس الرسمي من المسيرة، فقد لقيت تغطية مهنية من طرف وكالة المغرب العربي للأنباء، ومن طرف القنوات العمومية..
وكان لافتا في تغطية »لاماب« التي لم يعب عليها سوى الرقم المتعلق بنسبة المشاركين، حيث نقلت ما يلي: “»شارك ظهر اليوم الأحد بالرباط الآلاف من المتظاهرين في المسيرة التي دعت إليها هيئات ومنظمات حقوقية ونقابية وجمعوية، وذلك تضامنا مع الحراك الاجتماعي الذي تشهده الحسيمة.
وردد المتظاهرون،(…) ، شعارات تنادي أساسا بالاستجابة للمطالب الاجتماعية والاقتصادية التي رفعتها ساكنة الحسيمة، منذ أزيد من سبعة أشهر، و بإطلاق سراح كافة المعتقلين على خلفية هذا الحراك الاجتماعي.
كما انتقد المتظاهرون في نفس الآن أداء الحكومة في تدبير بعض القطاعات الحيوية من قبيل الصحة والتشغيل والتعليم والقضاء، وكذا بمقاربتها في التعامل مع حراك المطالبين بحقوقهم بالعديد من المناطق والجهات.
وتم في هذه المسيرة، التي انطلقت من ساحة باب الأحد، وجابت شارعي الحسن الثاني ومحمد الخامس، وصولا إلى الواجهة الأمامية لمقر البرلمان، رفع لافتات تشدد على ضرورة تكريس مبادئ الحرية وتحقيق السلم الاجتماعي والعدالة الاجتماعية، فضلا عن محاربة الفساد واقتصاد الريع وإطلاق سراح المعتقلين على خلفية ما بات يسمى ”بحراك الريف”. .
من جهتهم طالب عدد من الناشطين في تصريحات مماثلة بإطلاق سراح المعتقلين وحملوا الحكومة تردي الوضع الاجتماعي والاقتصادي.
كما شددوا على ضرورة تحقيق مطالب العدالة الاجتماعية وتوفير الشغل ومحاربة الفساد والقضاء على اقتصاد الريع وتمكين مختلف مناطق المغرب من الاستفادة من أوراش التنمية.
وأجمعوا على سلمية الاحتجاجات وعلى الحق في التظاهر كمظهر من مظاهر دولة الحق والقانون.
جدير بالذكر أن هذه المسيرة، التي عرفت مشاركة مواطنين ينتمون إلى عدة هيئات وتنظيمات حقوقية ونقابية من مختلف مدن المغرب، فضلا عن مجموعات من المعطلين من حاملي الشواهد الجامعية، تميزت بتواجد محدود لعناصر الأمن التي اكتفت بمراقبة تحرك المسيرة، إلى جانب عناصر تابعة للوقاية المدنية التي نصبت خيمة مجهزة بالإسعافات الأولية، واستقدمت سيارات إسعاف تحسبا لأي طارئ. وقد انفض المتظاهرون في جو من الهدوء، بعد أن أكد مؤطرو المسيرة في كلمات عبر مكبرات الصوت أن المسيرة كانت ”سلمية وناجحة بكل المقاييس”. كما كان لافتا عدم تسجيل أي حالة تدخل أمني أو إلحاق أضرار بالممتلكات»….!
لن تكتب صحيفة معارضة ما نقلته الوكالة الرسمية… حقا!
-2- الوحدة بالاحتجاج :
المسيرة الاحتجاجية، هي في عمقها تشديد على الوحدة، أي الوحدة بالاحتجاج..
عندما خرج مئات الآلاف، وسطهم والد ناصر الزفزافي وعائلات المعتقلين، كانت الرسالة هي أن راية التوحيد الآن هي الاحتجاج..
كان آباء وأمهات وإخوان وأخوات المعتقلين في الحشود يتحركون بشعار موحد، فيهم اليساري والإسلامي و اللامنتمي والغاضب بدون صفة ايديولوجيا وغاضب بدون إذن من مطوفي الايديولوجيا في البلاد، جاؤوا ليقولوا :وحدنا الوطن
كما وحدتنا المعضلة الاجتماعية
-3- لم يحدث في تاريخ المغرب الحديث:
أن خرجت مسيرة ضخمة بشعارات موحدة والحدث الذي كان وراءها ما زال قائما
….
اللهم في القضايا القومية
أو الصحراء المغربية
ولم يحدث أن انساب نهر بشري كبير في شوارع العاصمة….
من أجل حرية المعتقلين والاعتقالات مازالت تتوالى..
…
هذا له قانون جدلي صرف يقول:إذا حدث شيء لم يكن من المألوف حدوثه، فمعناه أن هناك تحولا …
والذكاء الجماعي يفترض التقاطه في حينه بنفس الزخم!!!
-4- من بين مخارج أخرى للخروج من الاختناق الحالي: وحدة في الشارع العام، تنويع على العملية المتعددة لتفادي الانزلاق:هناك مجالات الحل الرسمي والحكومي، هناك محاولات الفعل الحقوقي (المبادرة )، وهناك الخروج الشعبي العام لتمهيد الحل، أي أن المسيرة تعطي قوة للحراك، لكي تجلس الحكومة إلى طاولته في المفاوضات بدون البحث عن تعلات في التمثيلية أو غير التمثيلية…
-5- تحول كبير يحدث في مغرب اليوم السياسي، إذ كان الاحتجاج في السابق يتم ويكون الرد معه، على أبواب بعينها، وكانت التمثيليات الحزبية والنقابية المعروفة تدفع الثمن من مناضليها وتاريخها مقابل عنجهية الدولة.. اليوم ما يحدث أن التمثيلية ذابت في الحشود، وصار جزء مهم في الحقل السياسي (الذي لم يستكمل بناءه النهائي( يتحرك خارج خانات المعيارية في التمثيل السياسي ( الاعتراف القانوني، التمثيلية البرلمانية أو الحكومية… الخ )، وعوض البحث عن »ركوب «هذا الطرف أو ذاك على الحراك، يجب الاقتناع بأن الحقل السياسي يتمدد إلى خارج دائرته المعروفة.. ،وقد أصبح الشارع طاولة للمفاوضات منذ 2011، كما صار الفايسبوك أيضا مذكرة يومية ترفع إلى ملك البلاد عوض المذكرات التقليدية التي ألفناها في الإصلاح..!