التفكير صفة افتراضية في كل انسان من شانها ان تحدد الاتجاه الصحيح في تفاعله مع ما يجري حوله من قضايا واحداث ونوازل في الدين ، والثقافة ، والسياسة ، والاجتماع…لكن تحويل هذه الصفة الافتراضية الى ممارسة واقعية ليس ممكنا الا بكثير من الجراة ، والشجاعة ، والمغامرة والتحديات . فالناس كلهم مشتركون بصورة ديموقراطية في امتلاك خاصية التفكير ، لكنهم مختلفون في القدرة على توظيفها بشكل ايجابي منتج .

سكن الخوف قلوبنا ، وسكن الجهل عقولنا ، فعطلنا التفكير وصرنا مخلوقات مخبولة ، مرعوبة ، منفعلة لا فاعلة ، تخشى التفكير وتفر من كل جهد عقلي قد يؤدي الى التغيير .
جعلنا التفكير فرض كفاية كصلاة الجنازة ، فعول بعضنا على بعض فيه ، فتعطل الجميع .
جعلنا التفكير نوعا من الهم ، والهم غم ، فلم الهم والغم وزمن الوجود قصير ؟

ان اقبح جريمة في مجتمع لا يفكر هي التفكير ، لانه يهدد الامن العام ، والنوم العام ، ويزعزع العقيدة والثوابت والمسلمات ، ويحرض على المخالفة والتمرد والعصيان .
منذ الف سنة دعا ابن رشد الى التفكير الحر في كل جوانب العقيدة والفكر والحياة ، ومارس بنفسه التفكير العميق ، والبحث الدقيق ، فابدع وانتج ودرس وكتب والف وشرح وبين وعارض ، فجزيناه بالنفي والتكفير . وقبله كفر الفقهاء ابن سينا ، والفارابي ، واخوان الصفا ، والمعتزلة ، وابا حيان التوحيدي وخلق كثير ممن وظفوا عقولهم في التفكير الحر الذي لا تحده حدود . وقد افتى ابن الصلاح الشافعي بتحريم دراسة وتدريس الفلسفة والمنطق وعلم الكلام . واوجب على الولاة نفي من تعاطى لهذه العلوم او قتله حفاظا على سلامة الامة وتماسكها واستقرارها . فكل من تفلسف تسفه ، وضل واضل ، ومن تمنطق تزندق وتهرطق . فالفلسفة والمنطق وعلم الكلام مداخل التفكير الحر ، والتفكير الحر شر محض ، وضلالة ، وسفه ، وزيغ ، وردة ، وكفر ، وخروج من الجماعة . وما زالت الى الان اصوات التكفير تصرخ على التفكير وتكرر التاريخ في جوانبه السلبية .

ان التفكير تدبير ، وتخطيط ، واستكشاف ، ونقد ، ومعارضة ، وتحليل ، وتفكيك ، وبناء ، وتقويم ، وكل هذا كفر في نظر اعداء التفكير المستقل . الم ينصح ابن عطاء الله جمهور المسلمين بترك التدبير ؟

بل الف كتابا خاصا في وجوب اسقاط التدبير ، ومع سقوط التدبير يسقط التفكير ، ومع سقوط التفكير تنتشر الخرافات والجهالات والسخافات والاعتقادات الباطلة والممارسات السلوكية المتخلفة …
خير التفكير عدم التفكير ، وخير التدبير عدم التدبير ، والعقل المعتقل بالارادة والخوف والجهل ، خير من العقل الجامح المتمرد .
نام اهل الكهف 300سنين وازدادوا تسعا ، ثم نهضوا ، ونامت امتنا قرونا ولم تظهر بعد فيها ملامح اليقظة والنهوض . واي صحو ونهوض بدون تفكير حر يحلل ويفكك وينقد ويبني المعارف والعلوم والتقنيات على اسس عقلية متينة ؟

واي صحو ونهوض لامة ما زال فيها صوت التكفير يعلو على صوت التفكير والتغيير ؟؟؟

 

تارودانت : الثلاثاء 13 يونيو 2017.

‫شاهد أيضًا‬

اليسار بين الممكن العالمي والحاجة المغربية * لحسن العسبي

أعادت نتائج الانتخابات البرلمانية الإنجليزية والفرنسية هذه الأيام (التي سجلت عودة قوية للت…