ألا داعي للاستراتيجية الآن، لفهم ما يجري في الخليج؟
يكفي للمواطن العالمي الآن أن يستمع لربع ساعة من الأخبار لكي يتأكد بأن حرب الخليج الرابعة على الأبواب
وأنها ستكون بنفس عالمي..
وأن الدول ستعيد ترتيب الأوراق على مجهول يكاد يكون هو الأوضح من بين كل السيناريوهات الممكنة..
-1- تحولت إمارة قطر إلى «جزيرة»، وصارت كمنصتها الإعلامية التي عنونت رحلة بكاملها بعد سقوط العراق، وبداية الشرق الأوسط الكبير …
وبذلك يبدو أن وضعها وسط الأشقاء الأعداء أنهى دولة الحربة التي لعبت دورا أغاظ جيرانها..
صارت الدولة كناية على القناة التي تحمل اسم الجزيرة، وسط أجواء معادية..
-2-لم تمر سوى أيام قليلة على زيارة الرئيس ترامب، حتى حدث ما لم يكن يتوقعه أحد: عزل قطر
وتفجير طهران..
وترامب، تماما كما قال سيغموند فرويد، رائد التحليل النفسي، عن صاحب الجوكاندا دافنتشي، لا نحتاج معه إلى البحث عن «اللاشعور»، فهو يعرض عقله الباطن على السطح بكل أريحية..
وبما أن ترامب لا يحتاج أبدا إلى تحليل أو تخمين جغرافي لسياسته، فقد وضع بنفسه معنى ما يحدث: زيارته بدأت تعطي نتائجها!
-3- إيران التي تتلقى لأول مرة، منذ ثمانينيات القرن الماضي، مع الثورة الخمينية، ضربات من الداخل، وبقوة غير مسبوقة، دخلت نادي الدول ضحايا الإرهاب، في سياق جد متقلب، بعد أن وسعت حدودها إلى سوريا، لبنان، العراق، ولم تكتف بتحصين ثورتها..
لقد ترددت كثيرا في تصدير الثورة
لكنها، مع مخلفات الحروب الأهلية والربيع العربي، لم تتردد في تصدير الدولة، أي نموذج الدولة الإيرانية كما صنعتها وصقلتها الثورة الخمينية..واستهداف مقر الخميني هو استهداف رمزي قوي للغاية، ربما لا يعادله سوى الهجوم الذي كان على الحرم المكي في القرن الماضي ، واتهام إيران به…
واستهداف البرلمان، رسالة لا تخفى على من يعتبر بأن إيران، التي اختارت منصات التصويت للرد على دول الخليج، هي بدعة ديمقراطية ..
استهداف طال السيادة المذهبية، مقر الخميني
والسيادة الشعبية، البرلمان..
وهي رسائل جزئية مع ذلك، لأن الهدف الأسمى هو زعزعة إيران لتنشغل قليلا بداخلها..
-4- قطر وإيران، محوران في قلب الخليج، وبوابتان رسمتا عقدا كاملا من السياسة، إلى جانب تركيا، لهذا يبدو أن الثلاثية التي جمعتهم، في وضع تلقي النيران..
تركيا كانت في بداية الطلقات، سواء بسلسلة الضربات التي تلقتها بشكل أرعبها أو بالإضرابات داخل نظامها العسكري – السياسي..
التغيرات، هي مركز القوة للسعودية، بعد أن كانت الإدارة الأمريكية قد عطلت دورها لمدة طويلة..المحور كان بالنسبة لدول الخليج ثغرة الدخول بالنسبة لإيران في وضع جد متقلب..
ثغرة الديفرسوار الجديدة بالنسبة للإمارات البترولية، تعني نهاية الأنظمة والدول معا، وتفجير الجغرافيات النائمة على بترول احتياطي كبير..
-5- يبدو الحريق الشامل، طريقة أخرى في إغلاق قوس الربيع العربي، الذي كانت الجزيرة- القناة والدولة- حاضنة رسميا له.. لكنه في الوقت ذاته رد على الحلم الروسي في »مناصفة جيواستراتيجية»، أي اقتسام الأدوار في المنطقة مع أمريكا.. وهو أمر يبدو أن أمريكا ودول الخليج لم يعودا يستسيغانه، ولا يطرحانه على طاولة الشرق الملتهبة..
-6-قطر مطالبة بالاختيار بين التفكك، كدولة إمارة، والاختناق، أو بين الانضمام إلى الخط الاستراتيجي في دول الخليج وأمريكا معا : لا حماس، لا إخوان مسلمون، لا طهران، لا جزيرة تنطلق منها صواريخ التحريض، وهو الخيار المطلوب أكثر بالنسبة لدولة لن تتنفس وسط محيط معاد كليا، لاسيما مع انضمام دول أخرى، بعيدا كل البعد عن المنطقة (موريتانيا التي تتخوف من إيران أكثر ، نظرا لاتساع دائرة التشيع فيها )!
-7- حرب الخليج الرابعة تدنو من الأبواب:
حرب 1980، التي قادها صدام حسين وعراق البعث، انتهت بانتصار ممجوج للخليج العربي على الخليج الفارسي.
الحرب الثانية، انتهت بدخول المنطقة إلى الحزام الأمريكي المباشر، وعودة الكويت واختناق العراق.
حرب الخليج الثالثة، أنهت العراق كليا، ودمرت جيشه وأعادت تركيب البلاد، وفتحت الباب لإيران للتحكم في القوس الذاهب من طهران إلى بيروت، مرورا بدمشق وبغداد وانحسار الدول العربية في الجزيرة في دور المدعم لهذه الحروب وممولها، أو في الرد على الهجمات الإرهابية، أو في الانصياع للمحور الإيراني التركي القطري ، لاسيما منذ 2011..
الجيوستراتيجية تثأر لنفسها الآن ..وهي تحلم بالحرب الرابعة وستكون حريقا شاملا …وعالمية بنفس الخراب..