لنتفق أن المسجد، في السياق المغربي هو المكان الوحيد الذي ”يكون فيه للإيمان قوة القانون، ويكون للقانون قوة الإيمان”..
لنتفق بقوة أن المسجد هو فضاء إمارة المؤمنين بامتياز، ولا يمكن القبول بتاتا بأي انزلاق فيه، من أي كان، ولأي سبب كان لأن أبواب جهنم، في الكثير من لحظات التاريخ الإسلامي، كانت للأسف أبواب المساجد..!
وبغض النظر عن النقاشات التاريخية المستفيضة عن السياسة والدولة والمجال الديني، فإن هذه المقولة، تكاد تكون بدهية في المشترك المغربي العام، مزاجا وشعورا وعقيدة وسلوكا..
غير أنه ليس من المسلم به أن نستسهل الامتعاض أو الجدل في قضية ناصر الزفزافي، وما وقع داخل المسجد في يوم جمعة….وفي مستتبعات ذلك القضائية!
قبل ذلك لا بد للعبد الضعيف لرحمة ربه من العودة إلى 6 دجنبر 2016، أي منذ قرابة 6 أشهر لما حدث في مدينة فاس… يومها قام مجموعة من المصلين بإضراب في المسجد..
وقتها كتبت ما يلي:”لا يعني توقيف خطيب مسجد يوسف بن تاشفين بفاس المُعيّن من الخطبة من طرف مجموعة من المصلين، بدون قرار رسمي، لا يعني الذين صلوا في مسجد فاس وحدهم، بل أعتقده يمس المصلين جميعا، وفي أي مسجد كان..
تلك واحة لله..
وإذا كان المغاربة قد قبلوا، من باب إمارة المؤمنين أن تتولى الدولة فيها ضبط فسحتها بعيدا عن الشطط، فلأنهم آمنوا أن فضاءات واسعة لا بد لها من قانون، يجمع بين الروحي والدهري ليحمي، بالدرجة الأولى، المكان.. المسجد هو رابط محبة، وتوادد وروحانيات تفوق الموقف من الإدارة.. هناك سلطة دينية متوافق حولها وهي تختار من ينفذ هيكلتها للحقل الديني، لكن أبعد وأكبر من ذلك هو أن المساجد، هي مواطن الأمن الروحي الأخيرة في عالم متقلب، وعندما نرى تفخيخ المساجد، بالقنابل والسيارات..يمكننا أن نتخوف من تفخيخ روح الخطب والإضرابات.. “بالسيلفيات” ! والذين يستغربون حديث أهل القانون الوضعي عن مساجد العبادات، هم الذين يريدون أن يجعلوا من تدينهم سببا كافيا لكي يفرضوا على الناس.. الصوت والمنبر والصورة والمعبر.. سألت نفسي:
ماذا لو حضرت صلاة يوم الجمعة في مسجد يوسف بن تاشفين بفاس؟ كنت سأفزع مهرولا إلى بيتي حيث لا خطيب.. ولا وزارة أوقاف … ولا “مارك” فايسبوكي ينقل الفوضى… سأكتفي بحسنة واحدة، ربما مضمونة (لا نزكي على الله أنفسنا) عوض 27 جماعية قد لا يصلنا منها سوى .. سيلفي طرد خطيب لا يروق لبعض المصلين! فاس ليست مدينة عادية … عاصمة الروح، وعاصمة الروح إذا سكنتها بذرة الشقاق، عافانا الله جميعا، لن تخلو منها روح أبدا.. لا أحد يقول ما الذي سبق قتل الأئمة في المساجد، قبل هذا القرن والقرن الأول للديانات؟ سوى ما ينقله الكلام واللغو الذي منعته الأحاديث يوم الجمعة.. (روى إمامنا مالك، عن أبي الزناد عن الأعرج عن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: إذا قلت لصاحبك أنصت والإمام يخطب يوم الجمعة فقد لغوت؛ وفي حديث آخر، قال: ومن لغا فلا جمعة له)… لا حديث عن السيلفيات ولا عن البث المباشر..لهذا تبدو السخرية جزءا من الموقف ضد التشريع الذاتي في الحرم الرباني! هل من حق وزارة الأوقاف أن تقوم بما قامت به؟ ما يهم من السؤال هو أن يكون الجواب مقنعا من حيث التزامها بما يليق بالوظيفة والتعاقد بينها وبين خطباء المساجد.. لكي نقول: بلى، ذلك من حقها.. وإذا كان غير ذلك، سنقول: كلا! لأننا لا نريدها أن تنحاز أو تشط في السلطة أو تظلم الخطيب المعفى.. الخ لكن أن يكون الموقف من الوزير مدعاة لكي تتعطل الصلاة! فهنا لا تكتسي القضية شكل تعاقد مهني مثل مدرسة يمكن تعطيلها بإضراب أو معمل لصناعة الزرابي أو مصلحة أو بنك بل تكتسي إضرابا عن عقد مع الله عز وجل! فهذا بيت الله! لا أعرف تبريرا لتعطيل الصلاة في بيت من بيوت الله، اللهم إذا كان وجود خطيب غير الخطيب المستحب والمطلوب يجعل المسجد مسجد ضرار! بما يعني ذلك مسجد نفاق .. وتفرقة ووجود آثم ضد الدين وغير ذلك مما اجتمع في قصة مسجد ضرار الذي بني بالقرب من مسجد قباء، والذي نزلت فيه الآية الكريمة المعروفة…”…
كتبت أن فاس ليست مدينة عادية
وأكتب أن الحسيمة ليست مدينة عادية أيضا!
هناك تشابهات كثيرة في القضية، من حيث الشكل ومن حيث التفاعل، بالرغم من وجود فرق كبير لا يستقيم معه القياس:في فاس لم يكن هناك حراك
وفي الحسيمة وضع ملتهب، اجتماعيا ومدنيا…الخ!
يبقى السلوك بفاس رغم حمولته السياسية، بعيدا نوعا ما عن السلوك في الحسيمة ..
كان هذا التذكير ضروريا حتى لا يقال إننا “نتعيش” من اعتقال أبناء الريف البطل، أو ننفخ في نيران التأجيج وتسفيه حراك شعبي قوي، له سند وطني كبير ومتابعة نضالية غير مسبوقة..