من المؤكد أن متابعة كتابات واستجوابات المفكر والمؤرخ، عبد الله العروي، تفيد العقل كثيرًا، وتغني الساحة السياسية والثقافية، بمساهمات فذة، كما هو الشأن في الحوار الأخير، الذي أجرته معه قناة سكاي نيوز، في برنامج «حديث العرب»، والذي تطرق فيه إلى عدة موضوعات هامة وآنية، منها مسألة التحديث وعلاقته بالتقليد.
يقول العروي إن دعوته للتحديث تشمل الحياة العامة، أي المعاملات التي تتحكم في الشأن السياسي والاقتصادي، وغيره من المناحي، التي تجمع بين الناس في إطار المصلحة العامة، أما ما يتعلق بالحياة الخاصة للفرد وأسرته، فهو موضوع يهمه شخصيا، ويمكنه أن يحافظ فيه على خصوصيته، كما هو الأمر بالنسبة لعدد من الشعوب.
يؤكد العروي أن الفرنسي والإنجليزي والياباني والأمريكي، يشتركون في نفس القيم والثقافة، على مستوى الحياة العامة، لكنهم يحتفظون بخصوصياتهم، على مستوى الشعور والحياة الأسرية وتعلقهم بثقافتهم وثراتهم… فالحداثة في السياسة والاقتصاد والمجتمع، لا تنفي الخصوصية.
ويُشٓبه في ذلك الحداثة، بالنهار، أي ذلك العالم البَرّاني الذي يلزمك بالمعاملات مع الآخرين، داخل الوطن وخارجه، والتقليد، بالليل، حيث يعتبر أن الإنسان عندما يختلي بنفسه، في سكون الليل، كمن يعود لغار حراء، يستسلم لشعوره ولذاته.
ويمكن القول، إن هذا الفصل بين الحياة العامة والخاصة، مفيد في الجدل الجاري، داخل المجتمع المغربي، حول مسألة الهوية، التي تحاول التيارات الأصولية، تقديم قراءة خاصة لها، تخلط فيها بين تأويلها المتشدد للنصوص الدينية وبين ما هو دنيوي، بطبيعته، حيث لا تقبل الفصل بينهما.
غير أن هذا الفصل قائم، رغم أنف التيارات الأصولية المتشددة، حيث لا يوجد مجتمع، في التاريخ، تمكن من النجاح في مطابقة النص الديني بالمعاملات الدنيوية والسياسة العامة. كل ما قامت به هذه التيارات، ليس في الإسلام وحده، بل حتى في المسيحية، هو نٓسْجُ إيديولوجيات لنظام الحكم، يسيطر على المجتمع باسم الدين، ويخلق سلطات كهنوتية،تُصَرٍفُ النموذج الاستبداي، الدنيوي، بلبوس دينية، فقط.
لذلك، فالجدل حول الهوية، ينبغي أن يخضع بدوره للافتحاص، ليس على مستوى السياسة العامة، بل حتى على مستوى الخصوصية، لأن ثقافات المجتمعات، لم تكن أبدا منغلقة، على مايأتيها من الخارج، وعلى التأثيرات الداخلية، من تأويلات للنصوص والتقاليد ومصالح اقتصادية وبنيات سوسيولوجية وانتروبولوجية، أي أن الهوية هي أيضا تاريخية، وليست سرمدية.
الاثنين 15 ماي 2017.