أي شيء يمكن أن يجمع حديث رئيس فرنسي مثل ساركوزي ، وقيادي اتحادي مغربي مثل عبد الواحد الراضي، في حديث عن بنية السلطة في البلاد، لاسيما في تدبير الانتقالات والتحولات الكبرى؟
قد يكون الجواب، هو عبارة «الصداقة في السياسة»…
بعض الصدف، تصنع وعيا خاصا بمراحل معقدة. يبدو كما لو أنه وعي عفوي، لمرحلة غير عفوية بتاتا.
من هذه الصدف، أنني توصلت بفيديو مداخلة للرئيس الفرنسي نيكولا ساركوزي، يتحدث في أبو ظبي عن العالم اليوم.
وقد خص بلادنا بقسم مهم من مداخلته.. وتحدث أيضا عن ملك البلاد محمد السادس بلغة لا تقبل التشفير:واضحة وصريحة ولا تحتاج إلى العديد من الشيفرات للتفكيك..
وهو يتحدث عن الملك، كان يتحدث عن عاهل عايش معه مراحل سياسية، وما زال ولا شك ..
وفي نفس الفترة ، تقريبا أعود إلى سيرة عبد الواحد الراضي ، لكي أعيد قراءة شهادته وحديثه عن نصف قرن من التدبير والأسرار والعلاقات ، في قلب السلطة، بل في قلب الملكية….
قال ساركوزي بوضوح إن الملك فرض اختيار رئيس الحكومة من الحزب الأول على الجميع، بمن فيهم أصدقاؤه.
وزاد في الشرح بالقول: «ليس هناك حظ دائما في أن يكون لنا ملك مثل العاهل المغربي، الذي غير الدستور إبان الربيع العربي وتقدم في ذلك بخطوة فيها مخاطر سياسية كبيرة»، وأضاف «تصوروا معي لو أن الملك لم يتخذ الخيار الشجاع بتعيين رئيس الحكومة من الحزب الذي احتل المرتبة الأولى في الانتخابات، كان ذلك خيارا سياسيا جد صعب بما في ذلك فرضه على أصدقائه هو نفسه»…!
ولا يحدد طبعا الأصدقاء، لكن نتصور أنهم من كل مستويات الصداقة في السياسة:الداخل والخارج
الدول الصديقة
والشخصيات الصديقة..
وهنا يتضح انتصار الملك على أصدقائه، بلسان الرئيس ساركوزي، الذي لا يمكن لأي أن يقول إنه لا يحب المغرب..
أو لا يحب عاهل المغرب…
حدث هذا في 2011..
وقبل هذا التاريخ، كان الملك الراحل ينتصر على محيطه
بالأساس ، المحيط الذي يشكل بنية الصداقة في المؤسسات السابقة.
كان ذلك في 1998، في فبراير نفسه …
وعن ذلك قال الراضي: وفي 4 فبراير 1998 استدعى الملك الحسن الثاني رحمه لله عبد الرحمان اليوسفي، وكلفه بتشكيل حكومة جديدة. عندها أدركت شخصيا، قلت ذلك لنفسي تقريبا، أن الملك انتصر أخيرا على محيطه. لكم بذلت الحاشية من جهد لكي لا يتحقق هذا التحول النوعي. ومادام الشيء بالشيء يذكر، أستحضر هنا حديثا عابرا مع الملك الحسن، ونحن معا على متن سيارته في الصخيرات، قاده سياق الكلام الى تذكر حوادث الصخيرات (1971) والاعتداء الجوي على طائرة البوينغ 1972 الذي استهدف حياته، فقال لي: وعسى أن تكرهوا شيئا وهو خير لكم. لقد ساعدتنا تلك الأحداث على الرجوع الى الديمقراطية. لو بقي أولئك الناس الذين كانوا معي من قبل، كان سيصعب علينا أن نرجع الى الديموقراطية».
وكان واضحا أنه كان يشير الى الرجوع إلى الانتخابات، وإنشاء المؤسسات المنتخبة، وبالاخص العودة الى الحوار وتبادل الرأي مع مكونات الحركة الوطنية والديموقراطية. ومعنى ذلك أنه كان يشعر بثقل الحاشية التي تحيط به.
إن الرابط بين الشهادتين أو المعطيين هو تزامنهما مع مراحل تدبير الانتقالات السياسية،
في المرة الأولى، مع التحولات التي أعقبت سقوط جدار برلين وتدبير تناوب الملك، وتأمين المسلسل بانتقال متفوق عليه.
وفي المرة الثانية، كان الأمر يتعلق بتدبير انتقال عقب تحولات كبرى في المنطقة برمتها في بنيات الدول والترتيب الإقليمي الجديد..
للتاريخ ، ولا شك !