كلما تقدم استعمال التكنولوجيات الحديثة في التواصل والإعلام، وزاد انتشارها، كلما ازدادت ملحاحية سؤال مصداقية ومستقبل الصحافة، خاصة بعد أن تجاوز التحدي، مشكل الصحافة المواطنة وأخلاقيات المهنة، ليصبح تحديًا من نوع آخر، هو احتراف الأخبار الكاذبة. ولمواجهة هذه الظاهرة تتعدد الاجتهادات، لكنها تصادف صعوبات كبيرة في الوصول إلى حلول ملائمة.
وقد خصصت الفيدرالية الدولية للصحافيين، يوم 29 أبريل الأخير، لمناقشة الموضوع، على هامش اجتماع لجنتها التنفيذية، في موسكو، حيث تم استعراض مختلف التجارب عبر العالم، في تشخيص الظاهرة، أولا، ثم في كيفية مواجهتها ثانيا، من منطلق أن ما يحصل يؤثر بشكل كبير على ممارسة حرية الصحافة، وعلى الديمقراطية.
الملاحظة الأولى في هذا التشخيص الدولي، هي أن الظاهرة لا تٓهُمّ البلدان المتخلفة فحسب، بل تهم أيضا حتى البلدان المتقدمة في الديمقراطية وفي التنمية البشرية والتربية والصحافة والإعلام، الثانية، هي أن الشبكات الاجتماعية أصبحت المصدر الأساسي لاستقاء الأخبار، عبر العالم، مما يطرح على الصحافيين ومؤسساتهم وهيئاتهم، إشكالات جديدة.
تؤكد هذه المعطيات أن مسؤولية مقاولات الصحافة ومؤسسات الإعلام، كبيرة، لأنها مدعوة لمواجهة التضليل والكذب الإخباري، على المستوى الكمي والكيفي والآني، إذ أن عليها أن تنشر الأخبار الصحيحة، بشكل مكثف، وأن تستقي المعلومات الحقيقية، وتنشرها بسرعة، وهذا ما يُعٓقّدُ الأمور، ويسهلها لمحترفي الكذب، الذين لا يضطرون إلى بذل نفس المجهود، لنشر الأباطيل.
و مما يضاعف من هذه الصعوبات، أزمات تحول الإعلانات نحو الوسائط الرقمية، بل نحو محركات البحث والشبكات الاجتماعية، والإضمحلال التدريجي للصحافة الورقية، وغيرها من المشاكل الاقتصادية التي تعيشها المقاولات الإعلامية، أمام توجه لتمركزها بين أيدي الشركات الكبرى، مما يقلص كثيرا من قدرتها على ضمان تعدد الأصوات والتعبيرات، كشرط أساسي في الديمقراطية.
لذا، فالمشكلة ليست مطروحة على الصحافيين، وحدهم، بل إنها مطروحة على المجتمع، بِرُمّته، لأن الحق في الخبر وفي الوصول إلى المعطيات الصحيحة، بالنسبة للشعب، تصبح مهددة، بفعل التمركز الإعلامي والأخبار الكاذبة، التي تضلل الجمهور، وتخلق عالما آخر، غير واقعي، توجهه المصالح واللوبيات السياسية والمالية والمافيات والمجموعات الإيديولوجية، لخدمة أهدافها، بعيدا عن مبدأي المصداقية والشفافية، اللذين يصنعان الديمقراطية.