مرة أخرى يقف المجلس الأعلى للحسابات على الفجوة الهائلة التي تفصل الدولة عن مؤسساتها العمومية ، ومرة أخرى ينبه تقرير المجلس إلى أوجه التناقض والغموض السائد في علاقة الدولة بمنشآتها العمومية .
كل المغاربة يذكرون كيف أنه بفضل المجهودات التي بذلت منذ حكومة التناوب لتطهير هذه المؤسسات و تحديثها و تطوير حكامتها ، مافتئت هذه المؤسسات العمومية تتعاظم حتى أصبحت أذرعا عملاقة تتكفل بإنجاز الأوراش الكبرى و بتنزيل الاستراتيجيات القطاعية التي غيرت المشهد الاقتصادي للبلاد، بيد أن تقرير المجلس الأعلى لاحظ أنه منذ بداية العشرية 2010 ، بدأت تظهر على قطاع المؤسسات العمومية مؤشرات نمو بطيء، كما يدل على ذلك التراجع على مستوى الاستثمارات المنجزة وارتفاع المديونية وتزايد تحويلات الموارد العمومية من الدولة لفائدة المؤسسات والمقاولات العمومية.
هذه الوضعية الملتبسة أكدها التقرير مباشرة حين قال « إنه على الرغم من أن القطاع عرف عدة إصلاحات وسجل نجاحات حقيقية، غير أن الإشكاليات المرتبطة بحجمه وقيادته الاستراتيجية، وكذا بحكامته وعلاقاته مع الدولة، تظل مطروحة.»
وفي هذا السياق، بين التقرير كيف أن دور «الدولة كمساهم» يظل غير محدد وغير واضح، أما دور «الدولة كمخطط» ،يضيف التقرير، فيبقى أيضا غير محدد بالشكل الكافي. فالقيادة الاستراتيجية من طرف الوزارات ذات الاختصاص القطاعي غير مؤطرة قانونا، إذ أن الممارسات تعرف تباينا من قطاع إلى آخر، وذلك حسب الثقافة السائدة في كل وزارة على حدة ،وحسب مهارات المسؤولين المعنيين، ومستوى الأهمية التي يولونها لهذه المقاولات.
ونتيجة لكل هذا، فإن الدولة تجد نفسها مضطرة لأن تضخ في ميزانية هذه المؤسسات ملايير الدراهم دون أن تستفيد هي من الأرباح التي تجنيها هذه المنشآت العمومية، فمن أصل 254 مؤسسة ومقاولة عمومية وأزيد من 440 شركة فرعية ، فإن عدد المؤسسات العمومية المساهمة بأرباحها في ميزانية الدولة، لا يتعدى رؤوس الأصابع ، حيث إن أرباح المساهمات والحصص من الأرباح يبقى مصدرها الأساسي مجموعة المكتب الشريف للفوسفاط ومجموعة صندوق الإيداع والتدبير وشركة اتصالات المغرب..
وقد فضح التقرير تضخم أعداد الأعضاء داخل الأجهزة التداولية لبعض المؤسسات العمومية، علما بأن أكثر من 60 % من المؤسسات والمقاولات العمومية تضم أجهزتها التداولية أكثر من 18 عضوا ويصل العدد، في بعض الحالات، إلى 50 عضوا، مشيرا إلى أنه إلى حدود الآن لم يتم تحديد شروط تعيين ممثلي الدولة لدى الأجهزة التداولية للمؤسسات العمومية..
من هنا لابد من وقفة لمراجعة النموذج الاقتصادي الذي تشتغل به هذه المؤسسات في علاقتها مع الدولة حتى لا تصبح عبئا على الميزانية العامة المتكونة أساسا من ضرائب المواطنين ، كما لا بد من مراجعة العلاقة القانونية التي تربط الدولة بمؤسساتها كي لا تتحول هذه الأخيرة إلى جزر نائية يتصرف مدراؤها ك “حاكمين بأوامرهم ” !!
الثلاثاء 25 ابريل 2017.