في أفق عقد المؤتمر الوطني العاشر للاتحاد الاشتراكي أيام 19 – 20 – 21 من مايو المقبل كان لزاما عليه ان يجيب على الأسئلة المطروحة حول المسألة الدينية لأنها طغت على ا لمشهد السياسي في العالم العربي الإسلامي و برزت معه جماعات وأحزاب سياسية تدعي في مرجعتها الإسلام. على ضوء ما يطلق عليه الربيع العربي بعدما توغلت في أحشاء مجتمعاتها وتمكنت من الوصول الى سدة الحكم في بلدانها والدي كانت تسعى اليه حيث أن هدفها الرئيسي هو تأسيس لحكومات او لخلافات إسلاميتين ولدلك وظفت الدين في شعاراتها وخطاباتها واستلبت بها دوي العقول الضعيفة ونالت اصواتها مما مكنتها من تبوء الصف الأول من الأصوات وحققت هدفها ضانة أن الشعوب ستتعاطف معها الا أنها أنتجت وضعا مضطربا والدليل على دلك ما يجري في الشرق العربي وليبيا من اقتتال بين الجماعات المذكورة أما تونس فقد حاولت الخروج من الأزمة بأقل تكلفة.
أما بالنسبة لحزب العدالة والتنمية في المغرب الذي استفاد من مطلب الاتحاد الخاص بالمنهجية الديمقراطية المنصوص عليها في الفصل 47 من دستور 2011 وعرفت البلاد في ولايته الأولى سنة 2011 أزمة في جميع المجالات وفي سنة 2016 تصدرت الصف الغول في الانتخابات التشريعية المجراة في 07/10/2016 و عين منها رئيسا للحكومة من جديد من طرف الملك إلا انه لما تبين آن السياسة المنتهجة من طرف الرئيس بنكيران قد يؤدي بالبلاد إلى منزلق خطير كما أن ملك البلاد استبدل رئيس الحكومة بنكيران بالعثماني احتراما لإرادة الأمة وحفاظا على السير العادي للمؤسسات الدستورية. ومن تم استجابت الأحزاب باستثناء البام إلى نداء الوطن وأبدت رغبتها في إخراج البلاد من الأزمة المتعلقة باستحالة تشكيل الحكومة التي استغرقت ستة أشهر وأبدت رغبتها في التحالف مع العثماني الرئيس المعين إلا أن هده الأخير اضطر إلى التحالف مع الأحزاب السياسية و على رأسها الاتحاد الاشتراكي الذي كان الرئيس السابق يرفضه . وبالفعل تم تشكيلها إلا أن الملفت للانتباه هو أن البلاد في حاجة الى الاتحاد الاشتراكي وهو ما يشهد به الفاعلون السياسيون دلك أنه أنقد المغرب من المنزلق الدي كاد المغرب أن يسقط فيه سنة 1998 ولهذا فعلى المناضلين الاتحاديين والاتحاديات أن يستأنفوا نشاطهم داخل حزبهم لاسترجاع مكانته في المشهد السياسي.
وفي هدا الصدد أشير إلى أنه سبق لي أن تناولت في مواضيع كثيرة الوضع السياسي في المغرب وكدلك فهم ما يجري في الوطن العربي الإسلامي بعد الحراك الشعبي ثم مقاربة مشروع المنبثق على المؤتمر الاستثنائي ومبادئ الشريعة الإسلامية والمسألة الدينية في البرنامج الانتخابي للحزب والمتعلق بالانتخابات التشريعية المجرات في 7 أكتوبر2016 و الإصلاح الديني و علاقته بالإصلاح السياسي تم أسس مرتكزات حزب العدالة و التنمية و أجنحتها الدعوية أما فيما يخص المسألة الدينية فكما سبق دكره فان على الحزب ان يجيب على الأسئلة المطروحة في شأنها الى جانب القضايا السياسية و الاقتصادية و الاجتماعية و غيرها من القضايا كقضية المرأة وحقوق الإنسان والعدالة الاجتماعية وغيرها فبالنسبة للمسألة الدينية فقد اختزل الحزب الدين كعقيدة يحافظ على كيان الأمة المغربية في مؤتمره الاستثنائي سنة 1975.
وهكذا فلما مر على المؤتمر الاستثنائي أزيد من ستة وثلاثين سنة شهد المجتمع المغربي تحولات في مختلف المجلات. وأصبح مغرب اليوم ليس بمغرب الأمس الأمر الدي يفرض على الاتحاد الاشتراكي أن ينكب في مشروعه الذي سينبثق عن مؤتمره العاشر على ضوء المستجدات الراهنة التي طالت الدين والتحديث والتجديد و مسايرة التحولات التي يعرفها المجتمع المغربي وكما أقرها دستور 2011.
و بخصوص المسألة الدينية فان الاتحاد الاشتراكي يعتبر الدين الإسلامي كعقيدة مصدرها الكتاب والسنة وسلف الأمة بالمذهب المالكي الذي تبناه المغرب و الذي يتسم بالاعتدال والوسطية وتبني العقيدة الأشعرية. ومذهب امام دار الهجرة قد تبنها المغرب مند قرون. وكان فقهاء الاتحاد من كبار الدعاة للاجتهاد والتحديث والانفتاح والاجتماع على الدين ونبد التفرقة بين المسلمين وعلى راسهم العالم المفكر والمصلح المناضل شيخ الإسلام محمد بن العربي العلوي و عمر الساحلي و الحبيب الفرقاني والجابري وغيرهم رحمهم الله جميعا وأسكنهم فسيح جناته . و هؤلاء يدعون إلى إصلاح الحقل الديني و تحريره من الأفكار و العقول والأوهام والأباطيل و الخرفات وباطل الاعتقادات ومحاربة البدع و توظيف الدين في السياسة باعتباره تضليلا و مخالف لمبادئ الشريعة الإسلامية السمحاء. لدلك يجب ترسيخ عقيدة التوحيد في القلوب لأنها عملية للإصلاح من المفهوم الشرعي وهو ما أكده منهاج الأنبياء عليهم السلام في الدعوة إلى الله وسار عليه نوابهم من العلماء و المصلحين كما ناهضوا الطرق الصوفية التي تخالف السنة وما يعلنه بعضهم من الاطلاع على الغيب.
أما ما يجب التصدي له بالأساس هو الفكر الديني الأصولي المتعصب والدي تتبناه التنظيمات التابعة للجماعات التي لا تعترف بالرأي الأخر وتعتبره كافرا و يجوز قتله وهدا الفكر التعصبي الدي تنشره الجماعات الإرهابية والاجرامية وتقوم بعمليات وتخريب و تزعزع بها الأمن و الاستقرار وعلى المسئولين سن إستراتيجية كفيلة للقضاء على هدا الفكر والقضاء على الإرهاب الدي تنامى بشكل مفرط في المغرب كما تنامت ظاهرة التكفير و الحال أن السلف الصالح يقول بأنه لا يجب أن تكفير أحد من أهل القبيلة (المسلمين ) بذنب ما لا يستحله . وادا قال مسلم لأخيه يا كافر فقد باء به أحدهما أما موقف الاتحاد من قضية المرأة واضحة لا غبار عليها فيجب أن تتمتع المرأة بجميع الحقوق و الواجبات و استغلال كفاءاتها الفكرية والعلمية و الدينية. فقد أوحى الله ورسوله (ص) بالعناية بالمرأة وأن كل رأي يقلل من شأنها فقد خرج من الملة والدين مصدقا لقوله تعالى ” إنا خلقنكم من ذكر وأنثى ” وقد استوصى بها الرسول (ص).
أما مصدر الحقوق فهو القران وليس هناك أي تمييز بينها وبين الرجل كيف ما كان وضعهما فلا يكون الا بالتقوى . والتقوى و الإيمان اسثأتر بهما الله وحده لأنها مسألة باطنية لا ينفذ إليها العقل البشري إطلاقا لقوله تعالى ” انا خلقناكم شعوبا وقبائل لتعارفوا ان اكرمكم عند الله اتقاكم” .
و الخطير في الأمر أننا نشاهد في واقعنا الحالي أن الجماعات و الأحزاب التي تنسب نفسها للدين فقد أنتجت واقعا مريرا وديارا مفتنة وتختلف بينها اختلافا واسعا حول منهج الدعوة وصار الجهال يفتون في الدين ويضللون الناس ضلالا مبينا كما نشاهد الحزبية الضيقة ضربت على عقول كثير من الجماعات العاملة في هدا المجال لا ترى الا نفسها وهجمت وجود الأخرين من حولها. وتنامي الأمر حتى رأينا أن بعضها يدعي أنه جماعة المسلمين ومؤسسها هو إمام المسلمين و بانت على دلك توهمات فبعضها ادعى وجوب البيعة لإمامهم و بعضهم زعموا أنهم الجماعة الأم التي يجب على المسلمين أن يلتفوا من حولها و يستظلوا برايتها .
وهكذا بالرجوع إلى شعار المؤتمر الاستثنائي للاتحاد – تحرير ديمقراطية – اشتراكية فهي بالفعل من مبادئ الشريعة فالتحرير يتعلق بتحرير المواطن لأنه مخلوق ممتاز لقوله تعالى (( فقد كرمنا بني أدم )) الإسراء . أما الديمقراطية فهي اختيار ممثلي الأمة بإرادة حرة و نزيهة و بدون تزوير أو استعمال المال و حتى الاستلاب الديني أما الاشتراكية فتعني استفادة جميع المغاربة من ثروات بلادهم أما النضال من أجل تحقيق مدلول هدا الجهاد ضد الظلم ونصرة الحق ومحاربة الفساد بمختلف تمظهراته أما ما يجب أن ينكب عليه المؤتمر العاشر أولا هو توحيد الصفوف و الاجتماع على كلمة الحق كما أمر الله الأمة الإسلامية وفضلها على سائر الأمم لقوله سبحانه في سورة أل عمران ” كنتم خير أمة أخرجت للناس تأمرون بالمعروف وتنهون عن المنكر” ثم قوله “ولتكن منكم امة يدعون الى الخير ويأمرون بالمعرف وينهون عن المنكر ” و النضال هو الجهاد و التضحيات بالنفس و المال . وهذا هو الدين الحقيقي وليس كما يعتقد الدين يتخذونه مرجعية بغير علم و فهم ما أنزل الله به من سلطان وأغلب هده الجماعات التي تدعي المرجعية الدينية فجعلت منه نهج أهل الجماعات و السنة تنسب إلى المذهب الحنبلي والحال أن صحابة رسول الله ( ص) هم السلف الذين يتمسكون بالجماعة و يعنى بها الطائفة المنصورة أو الطائفة الناجية والسنة هو ما أقره النبي من قول و فعل و عمل ، و الحقيقة أن المنهج الصحيح الواجب إتباعه هو منهج الصحابة و التابعين لهم بإحسان بالتمسك بالكتاب و السنة و تقديمها على كل قول سواءا تعلق الأمر بالعقيدة أو العبادة أو المعاملة، و هم الثابتون في أصول الدين و فروعه على ما أنزل الله وصيا على عبده رسوله و على راس التابعين الامام مالك بن أنس الدي سار المغاربة على مذهبه.
ويهم أيضا القائمون بالدعوة الى كتاب الله وسنة رسوله (ص) قولا و فعلا و عملا بكل جد وعزم وصدقو ثبات.وهدا ما يجب استحضاره في إجابة الاتحاد على الدين و هذا النهج مع أعمال الاجتهاد و التجديد في الدين و ليس تحريف و انتحال المطلبي و تأويل الجاهلين. فالاتحاد هو الذي واجه الاستبداد و ألة القمع و القوى الثالثة التي استحوذت على ثروات البلاد و بسطت نفودها في المجال السياسي وكان عليه أيضا مواجهة أجنحة الجماعات التي تنسب نفسها للدين إلا أن أعمالها حادث عن منهج الصحابة كما كان عليه الأمر بالنسبة لتابعي لمنهج السلفي و جاهدت ضد الفرق الموجودة في عهدهم كالمعتزلة و والخوارج و الشيعة الروافض أو صوفية أو ماضية و غير ها من الفراق التي زاغت عن الهدي و دين الحق. و على الاتحاد أن يدحض أطروحة التي ينعتونه بها لأنه يناضل من أجل تحرير البلاد و احترام كرامة المواطن و الاستيلاء على خيرات البلاد واستبلاد الشعب المغربي و لذلك جاءت الأجنحة الدعوية بغطاء إسلامي كأنهم الوحيدين يعملون بمبادئ الشريعة و يستلبون بها الناس السداج و أنهم كانوا أعظم الناس بعدا عن أمر الله و رسوله و اقربهم الى الفتن ما ظهر منه و ما بطن وبصفة عامة فان رواد و منظري هده الجماعات فقد غاب عن ذاكرتهم عن جهل أو قصد أن ما يقومون به فليس لديهم الحجة و الدليل في الكتاب و لا في السنة في كل ما يبلغونه للناس و اغفلوا أن الدين الإسلامي هو دين الحق و الحق يمكث في الأرض لأنه ينفع الناس و يوضح السبيل و يبين الدليل و لاتزال طائفة من الشعب المغربي ظاهرين على الحق لا يضرهم من خدعهم أو خذلهم إلى أن يأتي الله بأمره.
و يرى اعلبية العلماء و الفقهاء المتضلعين في الدين و الفقه أن الدين الإسلامي مبني على وجوب الاعتصام بالله بالأصول الثلاثة : الكتاب المنزل و النبي المرسل و سبيل السلف الصالح عن طريقة آهل السنة و الجماعة المراد بها إتباع أثار رسول الله (ص) باطنا و ظاهرا و إتباع سبيل السابقين من المهاجرين و الأنصار و كذلك إتباع وصية الرسول (ص) حيت قال ( عليكم بسنتي و سنة الخلفاء الراشدين المهديين من بعدي تمسكوا بها و عضوا عليها بالنواجد و إياكم و محدثات الأمور فان كل محدثة ضلالة و كل ضلالة في النار ) .
و كل خروج عن هذه الأصول فهو خروج عن مبادئ الشريعة الإسلامية و هو ما يلاحظ على كثير من الناس و الجماعات زاغوا عن مقاصدها بالتأويل و التضليل و هؤلاء الذين يوظفون الدين لتضليل الناس بجهالتهم و يفتون بغير علم و بذلك اساؤوا إلى الدين كما يستلبون العقول الضعيفة بأساليبهم الكاذبة . و بهذا الأسلوب يوجهون الجهلة حيت يشاؤوا و به انتشر الفكر الأصولي المتشدد و الإرهاب و يبشرونهم أيضا بالجنة كلما لقوا حذفهم في الاقتتال بين الجماعات المشار إليها لإضفائها طابع شرعي . كما أن أعمالهم الشنيعة لا تمت إلى الدين بصلة ، و لذلك فان حقائق الدين علما و حالا و قولا و عملا و معرفة و خبرته ليشتغل بها أكثر الناس و لكن الدليل الجامع و الحقيقي هو الاعتصام بالكتاب و السنة فان الله بعت محمدا بالهدى و دين الحق ليظهره على الدين كله و كفى بالله شهيدا . و الدين الإسلامي دين التسامح و السلم و المحبة و الإخاء و الصدق في القول و الإخلاص في العمل و يدعو إلى مكارم الأخلاق و يوجب لزوم جماعات المسلمين و طاعة أئمتهم إلا في المعصية .
قال بن حبان في صحيحه ( الأمر بالجماعة بلفظ العموم و المراد منه الخاص لان الجماعة هي أصحاب رسول الله (ص) فمن لزم ما كان عليه و شد عن من كان بعدهم لم يكن بشاق للجماعة و لا مفارق لها و من شد عنهم و تبع من بعدهم كان شاقا للجماعة و لا مفارق لها . و الجماعة بعد الصحابة هم أقوام اجتمع فيهم الدين و العقل و العلم و لزموا ترك الهوى فيما هم فيه و أن قلة أعدادهم لا أوباش الناس و رعاعهم و أن كثروا .
أما بخصوص الأمر الواجب إتباعه في المسألة الدينية هو ما كان عليه أصحاب الرسول (ص) و لقد أتبت الله لهم الأفضلية على سائر الأمم و ذلك يقتضي استقامتهم على كل حال لان لهم قلوب صافية كما أنهم لن يزيغوا عن الحجة البيضاء فقد شهد لهم الله بأنهم يأمرون بكل معروف و ينهون عن كل منكر و ذلك يستلزم أن فهمهم حجة على من بعدهم حتى يرث الله الأرض من بعدهم .
و الصحابة وصفهم الله بما لا يتصف به على وجه الكمال مصداقا لقول الرسول (ص) ( خير قرن هو الذي كنت فيه أنا و أصحابي تم الذين يلونهم تم الذين يلونهم تم يجيء قوم تسبق شهادة احدهم يمينه و يمينه شهادته .)
و قد اثني الله عليهم في عدة آيات قرآنية كقوله تعالى في سورة الفتح (( و الدين معه أشداء على الكفار رحماء بينهم ….)) و قوله في نفس السورة (( إنما الذين يبايعونك تحت الشجرة إنما يبايعون الله )) . و في أل عمران فيعني بهم الصحابة قوله تعالى (( رَبَّنَا اغْفِرْ لَنَا وَلِإِخْوَانِنَا الَّذِينَ سَبَقُونَا بِالإِيمَانِ وَلا تَجْعَلْ فِي قُلُوبِنَا غِلاً لِّلَّذِينَ آمَنُوا رَبَّنَا إِنَّكَ رَؤُوفٌ رَّحِيمٌ))