محطة الديربي لا يمكن أن تمر دون أن نتذكر ملهمها الأب جيكو و أنا هنا لا أريد أن ألوم المكتبين المسيرين للوداد و الرجاء البيضاوين على تجاهلهما الاحتفال ، قبل أشهر قليلة ، بالذكرى السادسة والأربعين لوفاة من أسس التاني و ساهم بشكل أساسي في تأسيس الأول و الأسباب كثيرة منها الظرفية الصعبة التي تمر بها الكرة المحلية و كذلك أن هذه ليست المرة الأولى التي تنسى فيها ذكرى رحيل الأب جيكو فالمكاتب السابقة المسيرة للفريقين لم يسبق لها كذلك أن احتفلت بالرجل وأحيت ذكراه منذ وفاته بالشكل الذى يليق وتاريخه و قيمته كواحد من الأساطير الذين أثروا فى كرة القدم الوطنية و تركوا بصمة في الرياضة المغربية بصفة عامة خلال القرن الماضي ، ناهيك بأننى مقتنع بأن إحياء ذكرى أى شخص نفع كرتنا و رياضتنا و أفادهما و أثر فيهما بمواقفه و آرائه لا يكون بعد تلاوة القرآن على روحه باستدعاء مواقفه و حكاياته و قصصه و روايتها لتسلية الجماهير ، و لكن الأهم الاقتداء به فى العمل و السير على نهجه و أسلوبه و رؤيته فى التفكير إذا كانت صالحة للتطبيق فى زمننا بالطبع. لماذا إذن هذا النسيان و الرجل كان بكل بساطة عبقري الكرة الوطنية في زمانه فالأب جيكو و إسمه الحقيقي محمد بن الحسن العفاني المزداد سنة 1900 بمنطقة إسافن السوسية (تقع على بعد 120 كلم من تارودانت) كان يتكلم البربرية و العربية و الفرنسية و الإنجليزية و الإسبانية و البرتغالية و عمره لم يتجاوز 17 عاما بالإضافة لكونه أول مغربي يحصل على شهادة البكالوريا (1918 من ثانوية ليوطي).

ذكاؤه الخارق كان مرادفا لبراعته في لعبة الشطرنج. استفاد كثيرا في صغره من سفرياته إلى تونس و الجزائر حيث كان يصطحب أبوه التاجر. مكوثه خلال السبع سنوات الأولى من طفولته بتونس ألصقت به لقب “التونسي” (الذي كان يقتسمه مع أخيه بروفسور الطب المشهور بمدينة الرباط). ثقافته الواسعة سمحت له بتدوين إسمه ابتداء من 1935 كأول صحفي رياضي مغربي يكتب باللغة الفرنسية في جريدة  « لوبوتي كازابلانكي». شغله في الشركة الجزائرية للأبناك بالدار البيضاء إلى أن بلغ سن التقاعد ، بعد دراسات بنكية في فرنسا ، لم يمنعه من تتبع كل ما جد في كرة القدم أولا من خلال ما ينشر في المجلات و الكتب الأروبية و تانيا من خلال سفره على نفقته الخاصة لحضور البطولات الدولية من أجل الوقوف على مختلف خصوصيات المدارس العالمية و التي بالإمكان تطبيقها على المستوى الوطني للرقي بكرتنا فكان أول مغربي حصل على دبلوم في ميدان التدريب من فرنسا و انجلترا. 

علاقته بكرة القدم بدأت بلعبه كظهير أيمن لفريق اليوسا الفرنسي (بطل العصبة المغربية لسنتي 1927 و 1929) حيث كان يضايقه فكره الاستعماري كثيرا فكان إدراكه كغيره من الوطنيين ، أن مواجهة المحتل تحتاج إلى تنويع أساليب المقاومة و هنا يأتي انضمامه إلى مجموعة الوطنيين التي أسست سنة 1937 فرع كرة القدم لوداد الأمة بعد تأسيس الحاج بنجلون ورفاقه لفروع أخرى قبل ذلك. إسهاماته مع الوداد بدأت كلاعب و استمرت كمدرب رئيسي للفريق و كمسير و ذلك لمدة 15 سنة حتى قرر الأب جيكو كرجل وفي لمبادئه مغادرة القلعة الحمراء إثر خلاف مع  المكتب المسير الجديد آنذاك ظل لغزا و اختلفت الروايات حوله. تزامن رحيله عن الوداد مع وفاة والده دفعه إلى نوع من الاعتكاف و الابتعاد عن الدار البيضاء لمراجعة أوراقه خاصة بعد إصابته بمرض السكري.
رجوعه إلى مدينة الطبقة العاملة كان مقرونا بمشروع رياضي جديد حاول ترجمته في البداية عبر فريق ش المحمدية لكن بعد سنة فهم أن نجاحه لن يصبح ممكنا إلا بفريق جديد يقتسم مع الوداد هواء الدار البيضاء فكان التحاق الأب جيكو بفريق الرجاء يشكل ميلاده الحقيقي سبع سنوات بعد ولادته الرسمية سنة 1949 في أحضان العمل النقابي للحركة الوطنية و هو ما جعل الديربي الكلاسيكي يخرج إلى الوجود مع ما جلبه من حيرة للبيضاوين من أجل اختيار فريقهم بين أحمر ذو طابع أوروبي و أخضر ذو لمسة لاتينية فرجوية. استمر الأب جيكو في طبع فريق الرجاء بأسلوبه لمدة 13 سنة ليتقاعد سنة واحدة قبل مماته. 
لقب “جيكو” ألصق به بعد تشبيهه من طرف صحيفة فرنسية بلاعب كان معه في نفس الفريق و يسمى “جيكو” فكان رد “التونسي” قويا من خلال مقال صحفي في نفس الجريدة يفند فيه ما جاء في المقال الأول و أنه كمغربي بإمكانه لعب الكرة على طريقته و ليس الاكتفاء بتقليد لاعب فرنسي و رغم هذا الرد تعمدت بعض الأوساط الاستمرار في مناداته بنفس اللقب كنوع من الاستفزاز حتى أصبح لقبه الرسمي.
لا يمكن أبدا اعتبار الأب جيكو‏ عابر سبيل‏ في كرة القدم المغربية فالرجل لوحده تاريخ يبدأ منه‏ ،‏ وينتهي إليه‏ و هو ما يفسر توشيحه مرتين في عهدي الملكين الراحلين محمد الخامس و الحسن الثاني رحمهما الله، تكريما له على ما قدمه للكرة الوطنية ،‏ و هو بلا منازع كلاعب و إداري و مدرب أحد العلامات المضيئة التي لن ينطفئ نورها مهما فعل جحود و نسيان بدآ قبل وفاته حيث يحكى أن الرجل وافته المنية في 30 غشت 1970 فقيرا و وحيدا بين أبنائه في غرفة فوق السطوح متآكلة بالرطوبة بدرب السلطان دون أن يجد المال الكافي حتى لتسديد فواتير الماء و الكهرباء و هو ما جعله لا يحبس دموعه في أيامه الأخيرة عندما شاهد في ظل أزمته بعض من كونهم يدافعون عن الألوان الوطنية بمونديال المكسيك. فإلى متى سنستمر في التعامل ٬ في زمن الاحتراف و الإمكانيات المادية الوفيرة ، بهذا الشكل مع الذين صنعوا مجدنا الكروي؟! 
الجمعة 21 ابريل 2017.

‫شاهد أيضًا‬

الفيلسوف الألماني يورغن هابرماس يناقض أفكاره الخاصة عندما يتعلق الأمر بأحداث غزة * آصف بيات

(*) المقال منقول عن : مركز الدراسات والأبحاث في العلوم الاجتماعية ألقى أحد الفلاسفة الأكثر…