بقلم: يونس مجاهد

من بين أهم الثغرات الكبرى التي تعاني منها ثقافتنا السياسية، في مغرب اليوم، تدحرجها التدريجي، من الجدل المؤسَسِ على البرهان الفكري والحجج السياسية والتحليل العلمي والنظري، إلى منهجية تحريف المواقف والتضليل الإعلامي والتحامل على الهيئات والتهجم على الأشخاص.

لقد كان اليسار، سابقاً هو الذي يهيمن على الجدل في الساحة السياسية، وكان يتوفر على نخبة من المفكرين والكتاب و الشعراء والفنانين، يملأون الدنيا بمساهماتهم الفكرية والإبداعية، ينتجون النظريات والكتب والإبداعات، ومازالت بصمتهم قوية في كل المنتوج الفكري والسياسي المغربي والعربي، ومنهم من له صيت دولي، معترف به، في أرقى الأوساط السياسية والعلمية والأدبية.

كان طبيعياً أن تنتج الخصوبة الفكرية تعددًا واختلافاً في الاجتهادات، ليس بين المفكرين والمثقفين فقط، ولكن أيضا داخل الحزب اليساري نفسه، حيث تتعدد التيارات الفكرية والسياسية، و تحصل بينها مواجهات في الصحافة، و صولاً إلى إصدار وثائق وكتب ودراسات، تعتمد على قوة الجدل السياسي والحجة النظرية والبرهان الفكري…

وكانت هذه الأجواء تدفع مناضلي أحزاب اليسار والمتعاطفين معهم إلى الإنكباب على القراءة والدراسة والبحث، لمتابعة هذا الجدل الغني، واتخاذ المواقف، بناءً على قناعات علمية، لا على انطباعات، وهو ما أنتج أجيالا من المناضلات والمناضلين، يجمعون بين الالتزام السياسي و تقدم الوعي الفكري. وكانت الجامعات والثانويات فضاءات خصبة لهذه التربية.

غير أن الأمور تغيرت، بعد أن أخذت الثقافة الرجعية تبسط نفوذها، وبعد أن تم تطويق الفضاءات التعليمية والتربوية، بأحزمة التخلف الفكري، بالإضافة إلى الأدوار السلبية التي لعبها الإعلام والسياسة، لتغليب كفة المنهج التبسيطي والثقافة الاستهلاكية والتمييع، وصولا إلى انتشار التكنولوجيات الحديثة، بكل آثارها في تعميق الإثارة والتسرع في الأحكام والابتعاد عن البحث والتقصي وسيادة الشعارات والجمل البراقة، دون أن تطابق دائما المضمون الحقيقي.

ومن الطبيعي أن يكون اليمين، بكل ألوانه،مرتاحا لهذا التحول في الإنتاج الفكري والسياسي والإعلامي، لأنه يخشى عادة الجدل العميق والمواجهة الفكرية، وينحو لتغليب البروباغاندا بالوسائل الكبيرة التي يتوفر عليها، إذ يهمش المثقفين والمفكرين، ويبحث عن أشباههم ليملأوا الساحة، بثقافة سياسية عقيمة، تعتمد التدليس والتضليل، و يجند موارد بشرية وتكنولوجية، لتحقيق الانتشار الواسع لثقافته الضحلة التبريرية أو الشعبوية، التي لا تؤمن بالحق في الاختلاف، بل تؤمن بالوقوف صفاً واحدًا، امتثالاً للتوجيهات والتعليمات والإملاءات.

الجمعة 21 ابريل 2017.

‫شاهد أيضًا‬

حضور الخيل وفرسان التبوريدة في غناء فن العيطة المغربية * أحمد فردوس

حين تصهل العاديات في محرك الخيل والخير، تنتصب هامات “الشُّجْعَانْ” على صهواتها…