إنها كوبا يا عزيزي!
لم يحب الملوك كوبا يوما
منذ أن أصبحت معبدا للثوار
وأصبحت خارطة لحكم العبيد المحررين..
….
….
وكوبا
لم يحبها الثوار أيضا
حتى حررها «فيديل» قادما إليها بفصائل المقاتلين
القادمين..
من صحراء السيييرا ماييسترا
وفضائل النبي تشي غيفارا…
لهذا كان دوما لا بد من شجاعة خاصة في حب هافانا
وحب الجزيرة الصغيرة ..
كانت كوبا قد صارت جزءا من خارطة الأعداء
وجزءا من حاضنة فريدة لطفولة الانفصال توهمهم بوطن لا يوجد سوى في.. كراسات البؤر القديمة…
ولا يحب الملوك عادة البلدان التي لا تطيعهم
في الهوى أو في السياسة أو في الاستراتيجية..
وشرط الحب أولوية السياحة كما يعلم المسافرون..
هذه العادة لم يسايرها ملك المغرب وذهب، كما
قال الاسبانيون الذين لا يحبوننا دوما
لأرض الأعداء..
ويتطلب ذلك شجاعة خاصة
شجاعة جسدية أولا، لم تتعودها الأعراف الديبلوماسية..
وشجاعة أدبية
وإنسانية كذلك، تفصل كوبا عن موقعها الاستراتيجي في خندق الأعداء.
وتفصل هافانا عن هواها الانفصالي..
وتعود كوبا الجميلة
المحررة من غضبنا عليها..
هكذا تُسِّول لنا ضجرنا من وفاء كوبا لأوهام جزء
من الصحراويين في تندوف
أن نقول :إنها كوبا يا مولاي..!
فيأتي الرد، صورة بسيطة
عائلية..
وسياحية لملك وعائلته
أو لملك مع سكان الجزيرة..
ومع أننا كنا نغني باستمرار:
«يا رفاقي في كوبا الأبية
عندي لكم من بلدي تحية
قُبل معطرة…».
نغني،
ونستثني منها الملوك
كل أنواع الملوك..في مشارق البلدان
ومغاربها..
ونحدث عن الرفاق في كوبا قصصا كثيرة
ونفرح
ونغار
من الثوار
تحت العرائش
في المراعي
وعلى السطوح
في الساحات
في بيوت الكوبيين الفقيرة
وما إن نصل للبلاد الملقاة
«على طول الحدود نحن للوطن المباح»…
نختصم مع كوبا،
ونفكر في الرمل ..
ولا نغفر لكوبا حبها الجزائري..
كنا دوما نخاصم كوبا على حب صحراوي غير دقيق..
ومنذ زارنا غيفارا ذات حكم واستقبله رئيس حكومتنا عبد الله إبراهيم،
لم نعد ممرا للثائرين
ولا بطاقات بريدية ترسل من طنجة إلى العشيقات الكوبيات في الفيراندات الصيفية..
ولم نعد نرمي الورود على المغناجات
ولو في لوحات شاغال..
ولم يعد بحر الكاريبي ولا معركة خليج الخنازير يشفعان لها عندنا.
للسياسيين أن يقولوا إن زيارة »خاصة« إلى كوبا، سبقتها زيارات ذات حمولة سياسية أكبر:
زيارات معاقل الانفصاليين وأنصارهم في شرق القارة الإفريقية، حيث كان رفاق تشي ورفاق فيديل، زعيما الثورة يمرنان القارة على أدغالها الثورية..ويصنعان من السهوب مراعي للحلم الرومانسي للثوار..
فقد كان الملك قد دخل ما كان محمية انفصال، ثم تعقب الدبلوماسية من عاصمة إلى أخرى، وكان يجوب بحب إفريقي هذه المراكز..
غير أن الشجاعة التي نتحدث عنها ظهرت واضحة أكثر في جنوب السودان:ليس فقط لأن الدولة تجسيد لحلم إفريقي ناجع في الانفصال، بل أيضا لأن الأوضاع في البلاد لا تبعث على الطمأنينة للمواطن الأجنبي البسيط ، فكيف لرئيس دولة، ملك فوق ذاك؟..
لم نعتد أن نقتفي آثار الملوك المغاربة: إلا عندما يكون السفر منفى أو إقداما،
هذه الشجاعة الجسدية ، يلزمها ولا شك سند معنوي، شجاعة ذهنية وأدبية تجعل من المعرفة بجدوى الفعل الذي يقوم به صاحبه، مصدر ثقة في المواجهة الدائمة للخطر..
يلزم لذلك روح فروسية، حيث الشجاعة هي الذهاب إلى حيث لا يتوقع أحد
والعمل على إلغاء الحدود، الذهنية والسياسية قبل الجغرافيا..
لا أذكر في التاريخ المعاصر خطوة بل خطوات من هذا القبيل، تضيف مسحة جد متميزة على تحركات الملك، الشخصية منها والدبلوماسية..
ولا أعرف أيضا »نظرية« للجسد الثاني للملك، على حد قول إرنست كانطوروفتيش، تتجاوز لاهوت السياسة إلى جسديتها المتحركة وتجعل الجسد الخاص، أي الجسد الإنساني وليس الدستوري أو النظامي، يتجول بحرية في أرض الأعداء المفترضين أو الخطر المفترض فيها..
هناك سابقة هي أن «سحر الدولة أو لغزها« كما قال به صاحب الكتاب المذكور أرنست كانطوريفيتش، لا يخفي نفسه، بل معرض للشمس والهواء والصحافة في أرض يفترض به ألا يوجد فيها!
إنها كوبا يا مولاي.