أثار استفتاء تركيا ردود فعل وتفاعلات سياسية وإعلامية لطبيعة التعديلات الدستورية، التي وضعت أمام الشعب التركي وسياقاتها ومدى آثارها على المرجعيات، التي رسخها هذا البلد الموزع بين قارتي آسيا وأوروبا منذ قرن بعد انهيار «الرجل المريض» ،وتصفية تركته المتمثلة في الإمبراطورية العثمانية، التي امتد مجالها إلى عمق القارة العجوز وجل شمال إفريقيا…
لقد جاءت نتائج الاستفتاء الذي جرى في نهاية الأسبوع شبه مناصفة بين مؤيدي ومعارضي هذه التعديلات، وسط أنباء وتقارير تفيد بأنه تم ضخ ال»نعم» في آلاف صناديق الاقتراع ،خاصة في الأرياف والمدن الكبرى، حيث النخب والمثقفون وفعاليات المجتمع المدني وقفوا ضد مرامي الرئيس أردوغان، الساعية إلى وضع هدفين رئيسين للاستفتاء: الأول أن يجثم على صدر الرئاسة إلى نهاية العقد المقبل، أي سنة 2029 ، والثاني أن يستحوذ على أكبر ما يمكن من صلاحيات التعيين والإقالة والتشريع وإلغاء القوانين والهيمنة على القضاء…
لذلك، أثار وما زال هذا الاستفتاء، الذي يعد واحدا من أجندة ثلاثة استفتاءات ستعرفها تركيا . فأردوغان ،جعل حدا لتوازن السلط، ولدولة المؤسسات، واستعاد من خلال هذه التعديلات حلمه كأمبراطور آمر ناهٍ كما كان أباطرة العثمانيين . وبالتالي، أعطى لنفسه صفة المستبد، أو لنقل الديكتاتور، الذي يضع على وجهه أقنعة دستورية، تخول له حكما شبه مطلق لدولة راكمت تقاليد ديمقراطية، لكن فيما يبدو اختار انقلابا ناعما على هذا التراكم.
استفتاء الأحد الماضي، هوامتداد لتلك الحملة، التي شهدها الصيف الماضي، حيث تم الإعلان في أنقرة عن محاولة انقلابية، كانت ذريعة لاعتقال الآلآف من العسكريين والقضاة والموظفين والأساتذة والطلبة والسياسيين، وطرد عشرات الآلاف منهم من وظائفهم . وهي-في الواقع- حملة لتصفية معارضي أردوغان، ولخلق أجواء ترهيب شكلت مقدمة لهذا الاستفتاء…
ومن بين ما قد ينجم عن «القوة الدستورية المطلقة « للرئيس أردوغان، أنه وحزبه الذي يحمل اسم العدالة والتنمية، سيعطي نفَسا جديدا لمشروعه، المتمثل في قيادته لشبكة أحزاب ومنظمات ومنابر إعلامية وفعاليات أصولية، وليس بخاف أن هذه الشبكة، تستفيد من تمويلات وتأطير التشكيلة السياسية لأردوغان، الذي أقر ضمن التعديلات بأنه وإن كان رئيسا، فله حق الانتماء الحزبي عكس ما كان معمولا به، ناهيك عن روح الهيمنة الإقليمية، التي تبرز مظاهرها بالمنطقة العربية، حيث تنتصب تركيا طرفا رئيسيا مغذيا للاقتتال في سوريا والعراق .
ولكي يُحكِم أردوغان قبضته الترهيبية، فإنه يضع ضمن أجندة الاستفتاءات واحدا لإعادة العمل بعقوبة الإعدام ، التي تم إلغاؤها في مايو 2004 بتعديل دستوري. وصدّقت تركيا -كما هو معلوم- على البروتوكول الثالث عشر من الاتفاقية الأوروبية، لحماية حقوق الإنسان في فبراير 2006. وبذلك، تمثل التعديلات الدستورية ومشروع استرجاع عقوبة الإعدام كاستعادة للحكم المطلق، الذي عرفته الدولة العثمانية قبل القرن العشرين . ويخطو أردوغان خطوات متسارعة كي يضع على رأسه تاج الحاكم بكل الصلاحيات المطلقة.