يشهد هذا الأسبوع رسم خرائط العالم في ما يتعلق بعقوبة الإعدام، فمن خلال التقرير الذي ستقدمه بعد غد منظمة العفو الدولية، سنقف على تضاريس هذه الخرائط، سواء من حيث الدول التي نفذت هذه العقوبة أو التي ألغتها من تشريعاتها أو تلك التي قلصت مجالات الحكم بها في القوانين الجنائية المدنية أو العسكرية.
لقد خاضت منظمة العفو إلى جانب الهيئات الحقوقية نضالات واسعة من أجل إلغاء هذه العقوبة، وتبين المعطيات مدى النجاح الذي أثمرته هذه النضالات، إذ يكفي أن نشير إلى أنه قبل أربعين سنة، أي في سنة 1977، كان عدد الدول التي ألغت عقوبة الإعدام 16 بلدا فقط، وهاهو هذا العدد يرتفع اليوم إلى أكثر من 140. وتعارض منظمة العفو الدولية، شأنها شأن المنظمات الحقوقية، عقوبة الإعدام في جميع الحالات بلا استثناء، وبغض النظر عن طبيعة الجريمة أو خصائص المجرم أو الأسلوب الذي تستخدمه الدولة لقتل السجين، وتعتبرها إنكارا مطلقا ونهائيا لحقوق الإنسان، لأنها عبارة عن قتل إنسان مع سبق الإصرار وبدم بارد من قبل الدولة باسم العدالة، وهي تشكل انتهاكاً للحق في الحياة كما هو منصوص عليه في الإعلان العالمي لحقوق الإنسان. كما أنها تمثل ذروة الحرمان من حقوق الإنسان، ويتم توقيع هذا العقاب القاسي واللاإنساني والمهين باسم العدالة.
في المغرب الذي تحتفظ ترسانته الجنائية بهذه العقوبة، نُفذ خلال الأربعة عقود الأخيرة حكمان اثنان، ويقبع في سجونه حاليا أكثر من مئة معتقل تم الحكم عليهم بها. وتتصدر مطلب الإلغاء بيانات ومرافعات المنظمات الحقوقية، لأن القيمة الحقوقية والإنسانية لصيغة الإلغاء تظل هي الأصل والهدف.
نعم، إن لهذه العقوبة مناصريها ولهم مبرراتهم ، لكنها تآكلت مع التطورات التي يشهدها العالم، ومن المفارقات المسجلة أنه بقدر ما يدعي هؤلاء الأنصار بأن القتل القانوني يساهم في خلق مجتمع دون جرائم تودي بحياة الناس، بقدر ما تبين الإحصائيات أن معدل الجريمة أكبر في البلدان التي تأخذ بعقوبة الإعدام مقارنة مع الدول التي ألغتها، وغالبا ما يستند هؤلاء المناصرون إلى نصوص دينية منزوعة من سياقاتها التاريخية والاجتماعية، وحتى باب الاجتهاد الذي يأخذ بالواقع الحاضر دون أن يمس بجوهر الأصل، يعتبرونه تطاولا على بنيان عقائدي لا يجوز المس به.
نتمنى أن يكون التقرير الجديد لمنظمة العفو الدولية حافزا جديدا وسندا للنضال الحقوقي ببلادنا، كي يتوج النقاش الذي تعمق في سياق مسودة القانون الجنائي بإلغاء لهذه العقوبة، خاصة وأن هناك اليوم أكثر من ثلثي بلدان المعمور قد ألغتها ولم تعد تنفذها على العموم، سوى الأنظمة الاستبدادية لقمع أصوات المعارضة، كما أن الدستور في فصله العشرين بنص على أن « الحق في الحياة هو أول الحقوق لكل إنسان، ويحمي القانون هذا الحق».