يعبرن الممر مهانات في كرامتهن، وهن يعشن ظروف استغلال قاسية، إنهن هؤلاء النساء اللواتي يتنقلن يوما على صدر يوم، بين سبتة المحتلة وباب هذه المدينة السليبة، نساء يحملن على أكتافهن أحمالا ثقيلة من مواد التهريب المعيشي . نقطة انطلاقهن تلك، مخازن السلع المصطفة على مرمى حجر من حواجز الجمارك والأمن، مرورا بما يسمى ب»تاراخال 2»، وصولا إلى باحة سيارات الأجرة ووسائل النقل المغربية وعموما إلى وسطاء التهريب.
عددهن يقارب العشرة آلاف، يرابطن في الصباحات الباكرة أمام محلات البضائع قبل أن تستفيق الشمس وقبل أن تفتح أبواب المتاجر، يعرضن خدماتهن على الزبناء كي يضعوا على ظهورهن أثقالا مقابل أثمان بخسة وتنطلق المعاناة اليومية.
هذه الأيام تصدر موضوع هؤلاء النساء مواضيع النقاش الإعلامي والبرلماني في اسبانيا، مقابل صمت رسمي مغربي مريب، لقد خلفت عمليات «السعي» بين المخازن والبوابات ضحايا، وأزهقت أرواح نساء، لسببين أساسيين: أولا، التدافع الذي يعرفه الممر والذي لا طاقة له على استيعاب هذه الأعداد داخل أجل زمني محدد. وثانيا، الطريقة التي يتعامل بها الحرس المدني الاسباني مع هؤلاء النسوة، وهي طريقة تهين الكرامة البشرية وتعتمد على استعمال العنف والألفاظ الحاطة بهذه الكرامة .
لقد عمدت سلطات الاحتلال الاسباني إلى تقنين الأعداد إلى النصف، واتخذت إجراءات جديدة حولت معاناة النساء المغربيات إلى جحيم، وهن اللواتي يبحثن عن أجر في هذه العمليات لا يتعدى سقفه 100 درهم في أحسن الأحوال، قصد مواجهة أعباء الحياة، وقد أدانت عدة تنظيمات إسبانية هذه الإجراءات وطالبت باحترام حقوق الإنسان، والكف عن استعمال العنف ضد العابرين.
إن على السلطات المغربية أن تحمي مواطنيها من هذا الوضع المزدوج، من جهة الاستغلال البشع الذي تتعرض له هاته النسوة المرغمات قسرا على امتهان التهريب المعيشي، ومن جهة ثانية مطالبة السلطات الاسبانية بالكف عن هذه الممارسات والتحقيق في الوفيات التي حدثت مؤخرا، فلا يعقل أن تطلق عناصر الحرس المدني العنان لعصيها في وجه المغاربة وهم يتنقلون عبر حدود وهمية اصطنعتها سلطات الاستعمار.
ودون شك، فإن اعتماد مقاربة تنموية بشمال المغرب وشرقه حيث تتواجد مدينة مليلية السليبة، من شأنه أن يضع حدا لكل أنواع التهريب، وبدل أن يضخ المغاربة الأموال الطائلة في جيوب الاستعمار الاسباني وإنعاش اقتصاده وسياحته، بدل ذلك، توجه هذه الأموال لتعزيز التنمية والتجارة والاقتصاد الوطني.
إن الإهانة التي ينهجها الحرس المدني ضد المغاربة مرفوضة ومدانة، وإن أي إجراءات يتم اتخاذها يجب أن تأخذ بعين الاعتبار حقوق الإنسان والكرامة البشرية، لا أن يتم التعامل خارج المعايير المعترف بها عالميا.
الثلاثاء 04 أبريل 2017.