تميزت النسخة الثانية من مهرجان التسامح بجماعة أيت حمو، بحضور قوي لشخصيات وازنة من أقاليمنا الصحراوية سواء من مدينة الداخلة أو السمارة وبوجدور والعيون، لمتابعة فقرات برنامج جمعية التسامح للتراث والتنمية، وقد توفقت ذات الجمعية في اختيار شعار الدورة ” القواسم المشتركة بين القبائل الصحراوية والرحمانية، الهوية، الذاكرة، التاريخ “، فكان اللقاء بطعم الاعتراف بتلة من الوطنيين الذين بصموا مرحلة النضال والكفاح والمقاومة لجلاء المستعمر الفرنسي منذ ثورة الأمير الجهادي أحمد الهيبة ماء العينين الذي شق الطريق من الساقية الحمراء نحو مراكش، إلى لحظة تكوين أول نواة للحركة الوطنية بمنطقة بوشان التي تتلمذ و تخرج رجالاتها من مدرسة أكدالة بمنطقة أيت حمو بالرحامنة .
” اختيارنا لهذا الشعار راجع بالأساس إلى عاملين أساسيين، الأول يرتبط بضرورة تمرير رسائل للجيل الحالي ليتمكن من الإطلاع على مرحلة تاريخية أساسية من مراحل الكفاح ضد المستعمر، وثانيا ترسيخ الروابط التاريخية بين قبائل الرحامنة والصحراء، وإبراز المشترك على مستوى الثقافة الشعبية، و العادات والطقوس والتقاليد ” يقول مدير المهرجان محمد الطنطاوي، الذي نوه “بالمشاركة الوازنة لفرسان الرحامنة الذين أكدوا من خلال طريقة تعاطيهم مع الخيل والبارود بأنهم ورثوا فن الرماية وركوب الخيل عن أجدادهم الجنود الذين شاركوا في الحركات الجهادية التي قادها الهيبة ماء العينين بالمنطقة ضد الاستعمار الغاشم”، وقال في سياق حديثه مع ” أنفاس بريس ” أن نجاح النسخة الثانية لمهرجان التسامح ” يرجع فيه الفضل إلى جهة مراكش اسفي، والمجمع الشريف للفوسفاط، وجمعية التسامح، وجماعة أيت حمو، ومؤسسات إدارية وترابية وأمنية وقطاعات اجتماعية واقتصادية”.
وقد فضل حسن الطالبي أحد رجالات المنطقة الوافد من مدينة الداخلة الحديث عن ” أهمية مقارنة أسماء المجالات الترابية بمنطقة الرحامنة بشبيهاتها بالصحراء، والنبش في العلاقة الكامنة بينهما، مناشدا كل أبناء عمومته بالأقاليم الصحراوية من أجل الانخراط في النسخة الثالثة لمهرجان التسامح بأيت حمو بعمالة الرحامنة” موجها نداءه إلى “أبناء عمومته ليساهموا في التعريف بمنطقة الرحامنة كمدرسة لقراءة ما تزخر به الأقاليم الصحراوية من قواسم مشتركة، على مستوى التاريخ والذاكرة والهوية “.
هذا ورغم ضيق الوقت الذي خصص لندوة الروابط التاريخية بين الصحراء والرحامنة، فقد أكد الاستاذ الجامعي عمر الإيبوركي المتخصص في علم الاجتماع، على أن الحديث عن الاستمرارية التاريخية التي تربط بين الأقاليم الصحراوية ومنطقة الرحامنة تفرضه العديد من المكونات، حيث رد على من يطرح سؤال ” ما هي القبيلة في شمال إفريقيا ؟ ” من خلال طرحه لثلاثة فرضيات مرتبطة بالمجال / المكان، و النسب / القرابة ( الجد المشترك)، وأخيرا الفرضية التاريخية ( القبيلة وليدة التاريخ)، وخلص إلى أن الفرضية الأقرب إلى العلم والصواب هي الفرضية التاريخية، معتبرا أن قبيلة الرحامنة هي نموذج لمزيج من الوظائف ( وظيفة العلم/ المدارس العتيقة ـ ووظيفة التجارة ـ ووظيفة السلاح ).
من جهة أخرى قال الدكتور علي المدرعي في مداخلته، بأن أول قطرة دم سالت على تربة المنطقة هي دماء شرفاء الساقية الحمراء رفاق الشيخ أحمد ماء العينين الهيبة، الذي رفض الاستعمار الفرنسي سنة 1912 ، فانطلق مجاهدا ضد فرنسا إلى مراكش بمساندة قبائل سوس التي انظمت لنداء الجهاد، وأكد على أن الجنرال مونجان قد اعترض طريق الشيخ أحمد الهيبة ماء العينين بمنطقة سيدي بوعثمان وانهزم في تلك المعركة التي تخلد صورها أغنية قصيدة ” النيرية “.( ياك صاكونا صاكونا، ياك صاكونا لدراع الزيتون، ياك تم ناض الريتول ..”، واستعرض الدكتور علي المدرعي بعض أسباب هزيمة أمير الجهاد الشيخ أحمد ماء العينين الهيبة والتي لخصها في خيانة بعض الأطراف للعهد الذي قطعوه على أنفسهم وتحالفها مع المستعمر. وقال مؤكدا بأن هناك جنودا وفرسانا من منطقة الرحامنة قد عادوا مع أحمد الهيبة نحو تارودانت حيث وافته المنية بتزنيت سنة 1919 . وطالب علي المدرعي بضرورة بناء نصب تذكراي بمقبرة الشهداء بدراع الزيتون تخليدا لأرواح المئات من المغاربة الذين شاركوا الشيخ الهيبة أحمد ماء العينين ثورته ضد فرنسا.
الأستاذ الباحث في التاريخ الجهوي، والنبش والتنقيب في التراث، اعتبر أن مدرسة أكدالة بمنطقة أيت حمو قد لعبت أدوارا طلائعية في التكوين والتعليم والتربية، حيث كانت تستقطب العديد من الطلبة والمريدين، وتخرج منها الكثير من الفقهاء نهاية القرن 19 وبداية القرن 20 . معتبرا أن الفقيه السي محمد بن عبد القادر كان كان يتميز بتجسيده للروابط التاريخية، بين مختلف الوفود، وبتكوينه العلمي، مبرزا على أن الشيخ أحمد الهيبة ماء العينين كان دائم الزيارات للسلاطين، والاستقرار بمراكش، وقال بأن محمد بن عبد القادر كان يعرف بالجود والكرم والعطاء وهذه كلها يؤكد المحاضر بأنها خاصية أهل الصحراء والرحامنة، مما سهل عملية تأسيس مدرسة أكدالة من حيث التمويل، والإيواء، وتوفير شرط تحصيل مختلف العلوم الشرعية. وأبرز في سياق حديثه عن الروابط التاريخية معتمدا على اللسان الصحراوي واللغة الحسانية المنتشرة بكثرة بمنطقة الرحامنة، واللباس، والعادات، والتقاليد، وختم مداخلته بالتركيز على الجزء 15 من كتاب المعسول للعالم والفقيه المختار السوسي الذي خصصه للحديث عن أعلام وفقهاء منطقة الرحامنة الذين جمعتهم معه روابط العلم والفقه.
هذا وعرف مهرجان التسامح مشاركة 7 سربات الخيل من منطقة الرحامنة، و 6 سربات من منطقة دكالة، و 3 سربات من اليوسفية، وواحدة من مراكش ، فضلا عن تكريم ثلة من رجالات المقاومة المنحدرين من بوشان وأيت حمو، وقد تخللت أيام المهرجان فقرات تراثية تنوع منتوجها بين الانماط الغنائية الرحمانية، و الشعر الحساني، والألعاب الشعبية، وحكايات المقاومة، وعادات وطقوس إعداد الشاي الصحراوي، بالإضافة إلى بعض أروقة المنتوجات المحلية والألبسة التقليدية، والزنادة، وليالي السمر مع رجالات الصحراء وفقهاء المنطقة .