حضور وازن وجدول أعمال شامل ومكان انعقاد مريح وضيافة أصيلة… تلك أبرز سمات القمة العربية الثامنة والعشرين التي احتضنتها المملكة الأردنية يوم أمس وحرصت على توفير كل الإجراءات الأمنية واللوجيستكية لها وهي تلتئم على شاطئ البحر الميت…وعلى طاولة هذا اللقاء العربي الذي أصبح موعدا سنويا كان هناك سبعة عشر موضوعا جلها إن لم نقل جميعها هي نقط مؤتمرات القمم الخمس الأخيرة ونصفها له إقامة دائمة منذ عقود بجداول الأعمال .
الأسئلة التي تطرح نفسه عشية وغداة كل قمة عربية يتلخص في : لماذا هناك عجز عربي في إعمال مايتم الاتفاق عليه ؟ لماذا تبقى القرارات حبر على ورق؟ وكيف لقمم انعقدت خلال سبعة عقود لم تفلح في جعل العرب قوة فاعلة مؤثرة اقتصاديا وسياسيا ولم تنجز التنمية لشعوبها بالرغم من الإمكانيات الهائلة المتوفرة طبيعيا وبشريا؟؟
هناك سببان لاثالث لهما يقفان وراء كل ذلك وغيره :
أولهما ضعف الآلية التي تم إنشاؤها والتي تحمل اسم جامعة الدول العربية.
وثانيها: طبيعة الأنظمة وأشكالها وارتباطاتها الإقليمية والدولية. وغياب الديمقراطية وكل متطلباتها في هذا الفضاء الشاسع الممتد بين افريقيا وآسيا.
بالنسبة للجامعة هي اليوم أكثر من أي وقت مضى بحاجة إلى إصلاح عميق وإعادة بناء هيكلي وقانوني حتى تصبح لقرارات القمم جدوى ونجاعة. وأن تتحول مناسبات انعقاد مجالس أعضائها وأجهزتها من ظواهر خطابية الى أفعال مؤثرة ذات وقع في الممارسة لا مجرد بيانات تتكدس بالرفوف وتزين الورق الصقيل…
وواقع الجامعة ماهو في الحقيقة سوى انعكاس لأوضاع الدول التي تغلق العديد منها نوافذها وأبوابها في وجه كل رياح الإصلاح المجتمعي والمؤسساتي. هناك دول مازالت لاتعترف بالأحزاب ولابحرية الرأي والتعبير أو العمل النقابي..ومؤسساتها التمثيلية لاتنبثق من إرادة مواطنيها وتفتقد للمصداقية. هناك دول تجعل من الهاجس الأمني أولوية أولوياتها للحفاظ على أنظمتها … هذا فيما يتعلق بالوجه السياسي أما الوجه الاقتصادي فإنه بالرغم من أن لدي أغلب الدول العربية إمكانيات هائلة من العائدات فإنها لا توظف من أجل الرفع من مستوى عيش شعوبها ورقي تعليمها وصحتها وسكنها و…كرامتها البشرية.
لذلك حين جاء الربيع العربي وجد مجتمعات ممزقة الى قبائل وطوائف وأبوابا مترعة للأجندات الإقليمية والدولية. فتحول هذا الربيع الى إعصار مدمر خرب دولا وأباد شعوبا وغذى إرهابا. وما أوضاع ليبيا واليمن وسوريا والعراق إلا صورة عن هذه الحقائق.
إن الديمقراطية هي السبيل لبناء مجتمعات عربية مستقرة . ودون صياغة مؤسسات منبثقة عن إرادة الشعوب وذات مصداقية فإن هشاشة عظام الأنظمة ستزداد استفحالا وبالتالي سيتكرر ما تعرفه ليبيا وسوريا واليمن…
لقد أضاعت الأنظمة العربية أكثر من نصف قرن في الاستبداد بشعوبها وفي الصراعات المسلحة والغير مسلحة مع جيرانها . ويبدو أنه حان الوقت كي يتخلى عن الاستبداد والفساد وتجعل من الإرادة الشعبية والعدالة الاجتماعية بوصلة المستقبل. وأن يكون إعلان الأردن الصادر عن القمة أل 28 منطلق عالم عربي جديد.
الخميس : 30/مارس/2017