ليس سليما، في شيء، التعامل مع فشل الاستاذ عبد الاله بنكيران في تشكيل الحكومة، ونجاح الدكتور سعد الدين العثماني في تلك المهمة بمنطق التخوين والشماتة وغيرهما من الأساليب غير السياسية اولا وأخيرا. ذلك ان المطلوب هو فهم ما جرى، انطلاقا من وقائع ومعطيات، يمكن التحقق منها، وليس مجرد تخمينات لا حدود لها عند إطلاق العنان للمخيلة في نسجها وإشاعاتها.
ان الذي يبدو هو ان السيد بنكيران قد اعتقد، لأسباب بعينها ربما، يحتفظ لنفسه بها، ان في ابداء الاتحاد الاشتراكي رغبة واضحة في المشاركة في الحكومة ما يجعله يتوجس خيفة على مسار الحكومة المدعو الى تشكيلها، فاعتمد اسلوبا تصعيديا عند التعرض لمسألة امكان او عدم امكان القبول بالاتحاد داخل الحكومة، بغاية دفع هذا الأخير الى اعلان صرف النظر عن موقفه الإيجابي منها، وغض الطرف عن المساهمة فيها، خاصة ان القاموس الذي اختاره خصوم الاتحاد الاشتراكي من داخل العدالة والتنمية ومن أنصاره الطبيعيين والجدد، لا ينتمي الى السياسة بل هو دونها بما لا يقاس. وما استعمال كلمات مثل الذل والانبطاح والمخزنية والحزب الاداري وغيرها في حق الاتحاد، الا محاولة لثنيه عن موقف هيئاته القيادية، لتبرئة نفسه من هذه الاتهامات والنعوت. غير ان هذا الرهان لم ينجح، لأن رد فعل الحزب على هذا القاموس، هو التعبير عن قناعته بانه سيشكل قيمة مضافة للعمل الحكومي في سياق الظرفية السياسية التي يعيشها المغرب، على مستوى خياره الديمقراطي الحداثي، وعلى مستوى قضاياه الاستراتيجية وفِي مقدمتها تطورات ملف الصحراء المغربية على قاعدة عودة المغرب الى الاتحاد الأفريقي
لقد اعتقد السيد بنكيران، على ما يبدو، انه بطرح المسألة باعتبارها تحديا منه لمجمل الفاعلين السياسيين رغم ادراكه انه لا غنى عنهم لتشكيل الحكومة، قد ادى الى حشر نفسه في زاوية منطق: اما انا واما هو. وليس ضمن منطق: انا وهو، في ظل احترام قواعد اللعبة السياسية، التي على أساسها دعي الى تشكيل الحكومة، وفق المنهجية الديمقراطية. ولعل الشحنة العاطفية الكبرى التي تم بها التعامل مع الأنا قد ساهمت، بشكل كبير، في الابتعاد عن السياسة ومنطقها للانغماس في الذاتية ومنطقها غير السياسي بالتعريف. وهو يمكن به تفسير رد الفعل العكسي الذي اصطدمت به استراتجية الاستاذ بنكيران التفاوضية من قبل الاحزاب السياسية الاخرى.
لذلك كان يكفي اخراج المسألة من منطق ذاتي غير سياسي وإعادتها الى طبيعتها لتجاوز ما اصطلح عليه بالبلوكاج، وتبديد كل سحب التشكيك في المنهجية الديمقراطية التي تلبدت بها سماء الحياة السياسية المغربية، منذ الانتخابات التشريعية في السابع من اكتوبر الماضي، وخاصة بعد عدم تمكن السيد بنكيران من تشكيل الحكومة كما يرغب فيها وبالشكل الذي يراه.
ان الدكتور العثماني بتعامله مع الواقع بمعطياته الملموسة، خارج رهانات التشكيك والتحديات ذات الأبعاد الشخصية، قد ضمن للعدالة والتنمية مكانته كحزب اول وكحزب عادي وليس فوق العادة. ولا شك ان بنكيران يدرك ذلك تماما، وهو الذي لا يمكن التشكيك في قدرته على التكيف مع مستجدات الواقع ومتطلبات تسهيل المأمورية على الحزب الذي هو على رأس امانته العامة.
ان فصلا من الصراع السياسي بين السيد بنكيران وغيره من الزعامات الحزبية قد انتهى. وقد دقت ساعة طي هذه الصفحة للمضي قدما الى الامام. ولم يعد هناك من وقت يمكن هدره في التنابز بالالقاب سواء كان ضحيته السيد بنكيران او الدكتور العثماني او الاستاذ لشكر او السيد اخنوش او غيرهم.