سبق للدكتور سعد الدين العثماني، وقد كان وقتها ضيفا على قناة فرانس 24، أن صرح بأن ما تعرفه المفاوضات، والتي كان يقودها الأمين العام لحزبه الأستاذ عبد الإله بنكيران ، هو «شيء طبيعي«، باعتبارين اثنين:
-1-بالمقارنة مع ما تعرفه وعرفته الدول في محيطنا القريب، من قبيل المملكتين الاسبانية والبلجيكية، وبالتالي فإن الأزمة- وقد نطق بالفعل بالكلمة- هي من ضرورات التفعيل السليم للتفاوض.
-2- ولاعتبار ثان وهو أن الوضع في تدبير الطموحات السياسية أصبح مفتوحا وموجودا لدى الفاعلين كلهم أو ما سماه بـ«التنافس» في التواجد في مركز القرار سمة تجمع بين كل المكونات…
لقد كان الفهم الذي تبناه الدكتور العثماني هو معادلة تجمع بين مشروعية الأزمة وشرعية التنافس!
وهو بذلك قد عبر عن مفهوم يخرج، على الأقل في التداول السياسي، عن ما تم توصيف المفاوضات به طوال خمسة أشهر..
يكون الرئيس المعين هو من أطلق توصيف الأزمة في تشكيل الحكومة، في وقت سابق لترسيم وجودها بالبلاغ الصادر عن الديوان الملكي..
أولا: يبدو أن هناك إغراء خاصا في توضيح الأزمة باللجوء إلى أنظمة ملكية أوروبية خرجت من زمان من الامتحان الدستوري للسلطة إلى التدبير الدستوري للديموقراطية!
وهو إغراء ثابت في حقيقة التناول المغربي، وليس وليد الأزمة الحالية، بل ظل دوما كأداة إقناع للملك الراحل بأن الديموقراطية، بالرغم من أزماتها فيها تكمن قوة الملكية الحقيقية، وأن النظام سيربح الكثير بوجود ملكية ديموقراطية ودستورية متكاملة الأركان.
واليوم يستعمل في سياق «تبْيِئَة« الأزمة الحكومية وعدم الارتقاء بها إلى مصاف الاستعصاءات التاريخية التي تتناقض كليا مع ممارسة الديمقراطية على قاعدة دستور جديد، جاء في ديباجته تنويه خاص بسير الملكية نحو طبيعتها البرلمانية، المتوخاة بالواضح لا بالضمني.. وهو ما يعني أنها ، في الراهن المغربي، تجد شبيهاتها في الملكيات البرلمانية المكرسة..ويتضح من خلال ذلك أن الأزمة الحكومية ضرورية، كتمرين في الملكيات الديموقراطية:
ثانيا: لا بد للديموقراطية، وبالتالي للسير الدستوري من أزمة لكي تتطور..
نحن أمام معادلة بيداغوجيا بهذا المعنى: أي أن الديموقراطية، مثل المنطق ومثل التربية عند بياجي لا بد لها من أزمة للتعلم والانتقال إلى مستوى أعلى من التجريد …
ثالثا: هذا الدستور، بما هو لحظة حرية مكتوبة ومتفق عليها، يكشف بأن الناس« لا يحتكمون إلا إلى حريتهم الصعبة« بلغة مارسيل غوشي….!
رابعا: لنا أن نطرح، من باب التخمين المنطقي أن الأزمة، كما وصفها الدكتور العثماني، هي من النوع الإضافي الذي لا بد منه لحماية التطور..نحو ممارسة أكثر تقدما .. شبيهة في توترها بما استطاع المغاربة السياسيون الخروج منه، في لحظات تشنج سابقة، بمزيد من التطور وبملاءمة ذات نجاعة أكبر، وفي تأويل يقع في تقاطع العلاقات بين التاريخ، والقانون و السياسة؟…
كل مقارنة، بين تدبير لم يصل إلى لحظة الإقرار بالأزمة، وبين الواقع الحالي هي من باب إحياء الاستعصاء، وإذا كانت بدون مردودية سياسية فلا يعول عليها…
ومن هنا فإن الاعتبار الثاني( وهو أن الوضع في تدبير الطموحات السياسية أصبح مفتوحا وموجودا لدى الفاعلين كلهم أو ما سماه بـ«التنافس» في التواجد في مركز القرار سمة تجمع بين كل المكونات.)، يعتبر قراءة، من طرف رئيس الحكومة، قبل تكليفه، للاستعصاء الذي حدث!
وهي قراءة، ظاهريا تطبع مع التقييمات «السلمية« للتنافس عوض البحث في نقط الفصل والقطيعة.
وسينتظر الجميع إلى أي حد ستنسجم المفاوضات مع قراءته للحالة السابقة، أو مع تفسيره للتنافس السياسي، الذي اعتبره مشروعا ومشروطا بإغراءات الأحزاب أكثر مما هو مشروط بالمسكوت عنه ،…. ومن مفارقاته أن الجميع يتحدث عنه !!!!
عندما تلقى العبد الفقير لرحمة ربه، سؤال الصحافية بقناة الميادين، يوم السبت الماضي : ما الذي يملكه العثماني لحل تشكيل الحكومة ولم يكن في السابق موجودا، كان الجواب هو القول: إن العثماني يملك - إلى جانب استعجالية الوضع، والثقة الملكية ..الخ- قوة الفرصة الثانية!
وأقصد بها، على ضوء ما تقدم من تصريحات أن تصبح الأزمة شيئا طبيعيا، ويعمل للخروج منها، ثم أن يتم التعامل مع التنافس على قاعدة الخروج من التناحرية، ثم أنه سيكون، كشخصية دستورية مكلفة نوعا ما محررا من كل » الطاقة السلبية« ، وهو يدرك بأن »بابا« جديدا، فتح في وجه الحزب الذي يرأس مجلسه الوطني..وأنه لن يغلقه كما أغلق الباب الأول..