لأول مرة في التاريخ السياسي المعاصر، تتهيكل الحياة الراهنة حول ثنائيات-أوليات تكون الانتخابات، بما هي موعد للسيادة الشعبية، هي المصدر الرئيسي فيها، ثم تكون المعالجة الدستورية هي الامتداد المؤسساتي لها.
-1-لأول مرة يعين رئيس الحكومة، ثم يُعْفى.في ثنائية استمرت خمسة أشهر..
فقد سارع الملك الى تعيين الاستاذ عبد الإله بنكيران، الأمين العام لحزب العدالة والتنمية، باعتباره الحزب الحاصل على المرتبة الأولى في الانتخابات التشريعية 2016، رئيسا للحكومة.. وتمر أشهر من المفاوضات ثم تتدخل المؤسسة الملكية وتعفيه من مواصلة المفاوضات..
وتبدأ المفاوضات بعد الإعفاء من جديد…
-2-ولأول مرة ، ينص البلاغ الصادر عن الديوان الملكي على أن الملك سيعود الى الحزب الفائز لكي يعين من ضمن شخصياته من ينوب عن المعفي من التدبير الإجرائي للحكومة..
-3-لأول مرة أيضا، يتم إعفاء الرجل الأول في الحزب الفائز ، ثم يتم تعيين قيادي آخر، في نفس الموقع الحكومي، وهي المرة الأولى الذي يعود أمين عام سابق لحزب، إلى واجهة التدبير الحكومي..بعد أن يكون قد غادرها..
وبالنسبة لمن يحبون المقارنات، لا بد أن نذكر بأن قصة المنهجية الديموقراطية في 2002 تحتفظ في دهاليزها برواية عدم التعيين المنتظر لقيادة الاتحاد في الوزارة الأولى آنذاك.. تقول القصة بأن الملك خاطب اليوسفي بأنه عبر عن عدم ترشيح نفسه لقيادة المرحلة من بعد التناوب التوافقي.
وتقول القصة أيضا أن اليوسفي أكد ذلك، مع التوضيح بأن حزب الاتحاد ليس عاقرا، ويمكن أن يكون من بين شخصياته من يقود الحكومة مجددا..
هذه الرغبة التي عبر عنها عبد الرحمان اليوسفي، يبدو أن الدستور قد فتحها أمام الممارسة السياسية ..
فتأكدت بعد 14 سنة…، بحيث كان الحزب الأول يقدم شخصية أخرى -العثماني هنا- غير الشخص الذي قاد التجربة الثانية، أي عبد الاله بن كيران.
-4- لأول مرة، يكون وزير سابق، خرج في ظروف سياسية من الحكومة، ويعود لقيادتها، بدون أن يكون قد عاد الى الأمانة العامة للحزب أو أعيدت الانتخابات..
وقد كان يمكن لتعيين من هذا القبيل في المرة الأولى أن يكون سابقة قد تعصف بالحزب نفسه لو تمت في البداية..
وبالرغم من الأسماء التي تم تداولها، فإن الاختيار، في تقدير العبد الفقير لرحمة ربه وهديه، يتم فيه رسملة الاختيار السابق لقيادة العثماني. فهو سبق أن كان اختيارا في الحزب، وهو لم يكن قياديا بدون شرعية الانتخاب الداخلي..أضف إلى ذلك أن لديه شرعية المجلس الوطني، برلمان الحزب الأول..وبالتالي له شرعية الحزب الداخلية..بالرغم من انتفاء الانتخابات والمنافسة على زعامة الامانة العامة..
وهو سبق أن عبر بالحزب من رحلة لا تقل ارتباكا من هذه التي يعيشها، مرحلة 2003 ، والتي كانت فيها البلاد على أحر من الجمر..
-5-ولأول مرة يطرح منطوق البلاغ الاحتمال الدستوري أمام ملك البلاد، والذي قد يتجاوز العودة الى الحزب الاول مرتين.. …إذ لا ثالث للاختيار الأول..
وهنا أيضا لأول مرة يتحدث البلاغ عن المنهجية والارادة الشعبية وعن الارادة الملكية المحصنة بالدستور في ثنائية غير مسبوقة في تدبير استعصاء حكومي ..
-6- لأول مرة نعرف بأن طلب «تسريع »التشكيل الحكومي لم يكن مرة واحدة، كما عرفنا من خلال التكليف لكل من المستشارين المنوني والقباج يوم 24 دجنبر 2016، بل كان مرات عديدة…«.وللتذكير فقد سبق لجلالته أن حث رئيس الحكومة المعين، عدة مرات، على تسريع تكوين الحكومة الجديدة.« كما ورد في البلاغ..
لكتاب السيرة السياسية أن ينقبوا في المرات والطريقة المتوخاة في إبلاغ الرغبة والارادة في تسريع الحكومة..
-7- لأول مرة يقبل الجميع بالتأويل المقترح للدستور، وللمقترح المعروض للخروج من استعصاء سياسي للحكومة..بما في ذلك الحزب الذي يوجد في قلب التكليف الملكي..وهذا التأويل ، يبقي على دستورية النقاش حية، ونحن نعرف الآن كل الاطروحات التي قيلت بخصوص الفصل 47 والفصل 42، واستناد بلاغ الديوان الملكي عليهما في إعادة التكليف وتوصيف حالة الاستعصاء في تشكيل الحكومة وفكها.. وهو ما يقودنا إلى النقطة الموالية ..
-8- لأول مرة لا حديث عن أزمة، بالرغم من تعثر تشكيل حكومة في مدة زمنية غير مسبوقة :فتأويل الدستور قبل به الجميع، ثم هناك خلفية لا يمكن أن تخفى على أحد وهي أن العاهل، باعتباره من اقترح الاصلاح الدستوري، وإنضاج شروطه بالتشاور الوطني العام وبالمبادرة إليه، في الوقت الذي كانت أغلب النخب متعثرة في مواجهة العجز السياسي بين الدولة والمجتمع قبل 2011، امتلك بقوة المبادرة حق التأويل بعدم السقوط في استعصاء آخر يفوق الاستعصاء الحكومي..
-9-يبقى أن التكليف لا يلغي احتمالات أخرى، وفي طيات البلاغ ما يفيد ذلك، وهي أيضا المرة الأولى التي يكون الحل مخفورا بظلال التجاوز ، أي تجاوزه في حال استمرت الوضعيات المقترحة هي نفسها…
كان يمكن أن يحصل ما يلي:الدستور في يدنا كما لم يسبق له أن كان،
باعتبار المشاركة والسياق السياسي الذي أفرزه وحصول التقاء الإرادات..
لكننا - كفاعلين سياسيين من كل الضفاف – لا ندري ما نفعل به!
فكان لا بد من وجود مؤسسة لا تنقصها سلطة ممارسته!
وفي لحظات السياسة قد يصبح تاريخ الديمقراطية الانتخابية وراءنا، ليبدأ تاريخ الدسترة الديموقراطية..
ظرفيا طبعا!