وهو ما يتطلب بلورة خطاب جديد ونوعي تماما، يعتمد لغة التخاطب العالمي على قاعدة مباديء حرية الشعوب والحق في ممارسة تقرير المصير، الى غير ذلك من مفردات قاموس القانون الدولي المعتمد في مثل هذه النزاعات والقضايا. اذ ان ما ليس قابلا للإنكار كون قضية الصحراء والنزاع الاقليمي حولها قضية ذات بعد إقليمي ودولي، ولا تستقيم معالجتها الا اذا كانت مستوعبة لهذين البعدين الجوهريين، وان التأثير فيهما هو الذي يخدم القضية المغربية اكثر مما يخدمها حصر الخطاب في ابعاده الوطنية غير ذات الجدوى في نهاية المطاف. اي عند استحضار ان مصيرها النهائي لم يعد في يد المغرب حصرا، وانما هو بيد مختلف القوى ذات المصلحة المباشرة او غير المباشرة من النزاع ومن إيجاد حل له تحت إشراف مجلس الامن الدولي. وهذا يعني انه مرتبط بطبيعة تطور النزاع بين المغرب وجبهة البوليساريو والتحولات التي يمكن ان تطرأ على الموقف الجزائري الداعم الأساسي لأطروحة الانفصال وإقامة دولة قزمية في جنوب المغرب. علاوة على التحولات التي يمكن ان تطرأ على مواقف الدول ذات العضوية الدائمة في مجلس الامن الدولي والتي تتحكم في البعد الدولي لهذه القضية.
وإذا أمكن الاتفاق حول ضرورة توجه الاعلام المغربي نحو الخارج لتفنيد اطروحات الخصوم والعمل على توسيع دائرة القوى المؤيدة للموقف الوطني من الصحراء والنزاع الاقليمي المفتعل حولها، فإن هذا لا يعني ان الدفاع عن القضية وتبيان مختلف ابعادها التاريخية والوجدانية والسياسية والاستراتيجية بالنسبة لابناء الشعب المغربي عمل لا طائل من ورائه، او ممارسة لنوع من المونولوغ السياسي الذي لا يقدم ولا يؤخر بل انه عمل تنويري وسياسي منهجي ضروري في كل وقت وحين لاعتبارات أساسية أهمها:
اولا، طول أمد النزاع الذي عمر في شكله الحالي اكثر من أربعين عاما الامر الذي يعني ان جيلا جديدا بكامله لم يواكب هذا النزاع وليس لديه المام كامل بتطوراته وخاصة في بعده الوطني وما يترتب على ذلك من مسؤوليات والتزامات بما في ذلك الاشكال المختلفة من التضحية المادية والمعنوية التي قد يفرضها الموقف كما كان ذلك شأن الآباء والأجداد.
ثانيا، ولعل مواصلة أعداء الوحدة الترابية سياساتهم الإعلامية التضليلية في أوساط المواطنين المغاربة الصحراويين المحتجزين في مخيمات الاعتقال في تيندوف وخاصة في أوساط أبنائهم الذين ولدوا وعاشوا خارج الصحراء، تفرض على المغرب مضاعفة الجهود في مجال تنوير الأجيال الجديدة داخل الصحراء او خارجها وفضح خطط الأعداء والحد من تأثير حملاتهم التضليلية كشرط لافشال مساعيهم الرامية الى قلب الحقائق في موضوع هذا الملف الذي يحاولون تجريده من بعده الوطني بالنسبة للمغاربة باعتباره قضية استكمال وحدتهم الترابية تحت مزاعم تصفية الاستعمار وما شابه.
ثالثا، اي اذا كان مرتزقة الجزائر يسوقون للوهم وينتصرون للكذب حول تاريخ القضية وواقعها وآفاق تطورها، فالاحرى ان يتم التصدي لها داخل مختلف فئات الشعب وخاصة منها تلك التي لا تحظى بالمقدار الكافي من المناعة في مواجهة تحديات الكذب والافتراء المنظم.
رابعا، ان الأخطاء وحتى الهزائم السياسية، التي يمكن ان تقع هنا او هناك، في مسار تدبير ملف من الملفات الكبرى بالنسبة للشعب، لم تكن في يوم من الأيام قاعدة لتغيير الحقائق الوطنية. لذلك فعندما تجد من يستدل بذلك لنفي تلك الحقائق وأحقية النضال الوطني، فاعلم ان الخلل في موقفه الأصلي الذي قد لا يمت باي صلة الى الاعتقاد بعدالة القضية، وضرورة النضال من اجلها، وان جل ما يقوم به هو البحث عن تبريره وان كان لا يصرح به تقية واضطرارا في بعض الأحيان.
ان التوتر الراهن في منطقة الكركرات هو الدليل القاطع على ضرورة عدم إهمال توجيه الخطاب الى الداخل المغربي والى المواطنين المحتجزين في تيندوف، وابراز الحقائق المرتبطة بالنزاع الاقليمي المفتعل حول الصحراء المغربية، لان طول امده يستدعي العودة اليه باستمرار لتحيين معطياته والتفكير الجدي في مواجهة تحدياته التي هي تحديات الشعب المغربي قبل ان تكون ذات ابعاد إقليمية ودولية. وكل تراخ في مقاربة تطورات هذا النزاع من وجهة نظر مغربية لا يساهم في تعزيز الاجماع الوطني في شيء، وانما يصب الماء في طاحونة خصوم الوحدة الترابية المغربية الذين لم يتوانوا لحظة واحدة، على مدى أربعة عقود، في محاولة تزييف الحقائق بهدف النيل من هذا الاجماع، أساسا، لإدراكهم انه الصخرة التي تتكسر عليها كل مخططاتهم الهيمنية على حساب المغرب.
الاثنين 20 مارس 2017.