بعيدا عن لعبة تشكيل الحكومة ومسرحية المناصرة والخصومة ، وبغية تجاوز النفق الذي دخله شتات التقدميين وفلول اليسار والمدنيين الدمقراطيين ، ادعو الوطنيين والوطنيات الى التأمل في خلاصات وتوصيات لجنة التحقيق في صندوق التقاعد ، وفي المسؤولية التي تتحملها الحكومة اثر صرفها لتسبيقات لفائدة نظام المعاشات العسكرية من فائض نظام المعاشات المدنية بدعوى غياب او خصاص في رصيد احتياطي للمعاشات العسكرية ،
فالامر لا يتعلق فقط بفرصة ذهبية لمساءلة ” المجزرة ” ضد الانسانية تجاه حقوق الجماهير الفقيرة والشغيلة الكادحة التي بتبجح الجميع بتمثيل تعبيراتها وتبني وضعها ومصيرها المعيشي ، وسيلة انتخابية للاستقطاب وامتصاص النقمة ، وانما مناسبة لاثارة سؤال الشفافية في العلاقة مع الحق الدستوري في معرفة الحقيقة ، كحق شامل ومؤطر للحق في الوصول الى المعلومة ، من هنا لابد من تجديد مطلب انشاء المجلس الاعلى للامن ، في ظل الاوضاع التي يعرفها وطننا من تفشي الجريمة المنظمة والارهاب وكل الانحرافات الناتجة عن اقتصاد الحدود والريع ، في الرمال واعالي البحار ، هذا المطلب الذي لو تحقق سوف يغني الوطن عن لعبة تماهي المسؤوليات ، خاصة وان الحكومة السابقة ابرمت صفقات كثيرة مع مؤسسات كثيرة ، هنا وهناك ، لكي ترسخ الثقة الفتية معها ، في تماه متعمد بين زعامة الحزب وقيادة الشأن العام ، وعلى راسها المؤسسة العسكرية ، التي كانت في عهد الراحل الحسن الثاني ، تصر على حظر تسرب الدين الى السياسة ، ومن بين صفقات اعلان حسن النوايا ، التصويت اللامشروط على الدستور الجديد والحيلولة دون تفعيله دمقراطيا ، واعتبار ملف معالجة الانتهاكات الجسيمة لحقوق الانسان شانا خاصا للملك مع اليسار ، وقضايا الحقيقة الوطنية ليست اولوية ، بغض النظر عن التشريعات التي اجهزت على الحقوق المكتسبة ، من المنظومة الجنائية الى قانون حماية العسكريين ، كمقتضيات تشرعن للافلات من العقاب وتؤجل تدبير ضمانات عدم التكرار ،
وهاهي لجنة تقصي الحقائق تفضح خطيئة ” نظام التقاعد ” والتي تعتبر اكبر اكذوبة ، لو تم القول الحقيقة بصددها في وقتها ، لما دخلنا هذا النفق المسدود ، فلا يعقل ان نقبل محاولة الاحزاب اكتساب ثقة الدولة عبر المؤسسات الامنية ، العسكرية او المدنية ، الا تكفيها ثقة المؤسسة الملكية عبر مؤسسة البيعة والمؤسسات المسموح بها دستوريا ؟ لان كل تواصل خارج القنوات القانونية والتنظيمية فساد ، وكل فساد افساد للعلاقات الطبيعية والدستورية وانقلاب وتحايل على المشروعية ، بحثا عن حمايات خارج القانون .
من هنا وجب التصريح على ان لعبة تشكيل الحكومةوالتعثرات المفتعلة لن نسمح بان تكون الشجرة التي تخفي الغابة ، فمطلب فصل السلطات لا يكفي بل لامناص من اقرانه باستقلال السلط عن بعضها البعض ، بما فيها السلط غير التقليدية ، من المؤسسة الحزبية الى الاعلام والامن والعسكر والرياضة والدين .
فمتى سنعالج امورنا المصيرية بعيدا عن قواعد الاستثمار الانتخابي والسياسوي في ظل استشراء ثقافة الافلات من العقاب والاستعمال الانتهازي والامنوي واللامشروع لفزاعة قدسية القضية الوطنية وحصانة أشخاص المؤسسات الحساسة ، فليست الدولة الا امتدادا للمجتمع ، والوزراء الا موظفين عموميين ، والمغاربة جميعا سواسية في التاريخ والجفرافية وامام القانون ،احفاد الحركة الوطنية واعضاء جيش التحرير ، مدافعين عن خلود الوطن واستمرار دولة المجتمع والمؤسسات ، ضدا على شخصنة المصالح وادلجة دواليب الدولة والعلاقات ومن اجل دمقرطة الاختصاصات ومأسسة التعاقدات دستوريا .