أخذت ظاهرة العنف الكروي ببلادنا منحى خطيرا خلال المواسم القليلة الماضية حيث لم تعد منحصرة داخل المدرجات أو أرضية الميدان فقط بل خرجت إلى الشوارع المحيطة بالملاعب هذه الأخيرة عوضت إنجاب نجوم كروية جديدة بتصدير عنف أصبح يتكرر بصورة مزعجة و خطيرة تستدعى التعامل معه بجدية والعمل من أجل إنهائه قبل أن يستفحل وينتشر و يصل لمرحلة يصعب إيقافه والسيطرة عليه. هذا العنف الذي ضرب قبل أيام شوارع مدينتي الحسيمة و سيدي قاسم قارب أن يصبح للأسف ثقافة أكثر منه سلوكا معزولا مرادفة لنوع من الرداءة الأخلاقية و ” الفراغ ” التربوي تترجم في الواقع من طرف فئة من جمهور الكرة ” الجديد ” بنوع من الهستيريا أدت و مازالت تؤدي إلى إتلاف المنشآت الرياضية و تحطيم ممتلكات الغير ، و ترويع المواطنين صغارا و كبارا لا لشيء سوى لكون فريق تلك الفئة المفضل خسر مباراة في مسابقة البطولة أو الكأس و كأن هذا الجمهور” الجديد ” لم يسمع يوما عن مفاهيم كالتنافس الرياضي الشريف أو الروح الرياضية أو كأن الفوز ضروري و لو على حساب السلامة الجسدية للآخرين و كأن الهزيمة ليست جزء أساسي من المنافسة الرياضية. الوضع الحالي أصبح لا يطاق بسبب انعكاساته على مجتمعنا بسائر أطيافه التي تدرك بأن ما أصبحنا نراه تقريبا نهاية كل أسبوع غريبا عن عاداتنا وتقاليدنا ، ولا يمكن بالتالي الوقوف عنده كمتفرجين أمام توسعه حتى لو لم يكن لنا اهتمام بكرة القدم لهذا بات ضروريا الآن تحديد معالم مقاربتنا لمواجهة هذه الآفة الدخيلة على قيمنا المجتمعية.
و للنجاح في ذلك يمكن القول (بالرجوع إلى تجارب بعض الدول في هذا المجال) بأن كرتنا لن تجد سبيلا لمحاربة التعصب والشغب و انتشار ظاهرة العنف في الملاعب ، أفضل من التدبير التشاركي لهذا الملف من طرف جميع المتدخلين (من أندية و جامعة و وزارة وصية و وقاية مدنية و أمن وطني) و تحيين القوانين التي تخصه و تطبيقها و احترامها. و قبل التطرق للوضعية الحالية لا بد من الرجوع شيء ما إلى الوراء للتأكيد على أن ما يقع اليوم كان منتظرا بشكل أو آخر و أن مرحلة اللاهواية و اللاحتراف التي عاشتها كرتنا قبل دخول عالم الاحتراف كان لها العديد من السلبيات و ساهمت و لو بشكل غير مباشر في إنتاج الشغب الحالي و لعل أهم هذه السلبيات (و قد سبق لي التطرق في الماضي لهذا الموضوع في عدة منابر) كان هو سوء استعمال قانون المنخرط. هذا الأخير عقدت عليه عند ظهوره آمال كبيرة ليساهم في دمقرطة و تطوير الآليات التسييرية للفرق و تقريب هذه الأخيرة من جماهيرها ، لكن للأسف مجريات الجموع العامة و خلاصاتها تؤكد أنها لم تلعب في يوم من الأيام دورها الطبيعي ك” برلمانات ” لفرق الصفوة و هو ما أدى إلى نفور جمهور الكرة الحقيقي و بشكل تدريجي من الميادين الرياضية ليعوض ، بما أن الطبيعة لا تقبل الفراغ ، “طبيعيا” بجمهور “جديد” تم وصف ، في بداية هذا المقال ، كيفية تفاعله مع نتائج فرقه المفضلة. نفور جمهور الكرة الحقيقي كان النتيجة المنتظرة لاستعمال قانون المنخرط من طرف غالبية الأندية ضد كل من سولت له نفسه معارضة السياسة المتبعة من طرف المكاتب المسيرة إما بالتشطيب عليه نهائيا أو بالرفع من قيمة الانخراط إلى مستوى لا يتناسب مع القدرة الشرائية لهذا الجمهور.
بالرجوع إلى الوضعية الحالية ، أظن أن التحيين المستمر لقانون الرياضة (و لائحة العقوبات على المستوى الجامعي) أصبح ضرورة لا مفر منها لأن هذه الأخيرة (و كل ما يتعلق بها) أصبحت صناعة و تتطور باستمرار
بالرجوع إلى الوضعية الحالية ، أظن أن التحيين المستمر لقانون الرياضة (و لائحة العقوبات على المستوى الجامعي) أصبح ضرورة لا مفر منها لأن هذه الأخيرة (و كل ما يتعلق بها) أصبحت صناعة و تتطور باستمرار
وهنا يجب الإشارة أن المشرع المغربي فطن للمنحى الذي سيأخذه موضوع هذا المقال خلال السنوات القليلة الماضية بتبنيه قانون جديد يعاقب مرتكبي العنف في الملاعب الرياضية بعقوبات تتراوح مابين 3 أشهر و 5 سنوات سجنا نافذا وبغرامات مالية تصل إلى 1200 درهم. بالنسبة لبنيتنا التحتية الكروية ٬ رغم المجهود الجبار الذي تم القيام به ، يجب الاستمرار في تطويرها و تأهيلها بطريقة تشاركية يساهم فيها جميع المتدخلين في المجال الكروي لتسهيل عمل رجال الأمن بالأساس و ذلك بتحديد المقاييس و المعايير التقنية و الأمنية الواجب توفرها في ملاعبنا (مع الأخذ بعين الاعتبار نوعية المباريات) و مراجعتها بشكل دوري و تعيين لجن معاينة و مراقبة مكونة من جميع المتدخلين ، كما سلف الذكر ، للتأكد من احترامها و أهم مايجب التأكيد عليه في هذا الباب هو إقامة نظام مراقبة عن بعد في كل الملاعب و الذي سيسهل القيام بعمليات استباقية و تحديد و ضبط مثيري الشغب. و هنا يجب على فرق الصفوة بعد ولوجها عالم الاحتراف تحمل جزء و لو يسير من المسؤولية الأمنية لتنظيم مبارياتها نهاية كل أسبوع كما هو الشأن في الدول المتقدمة بإنشاء ، في إطار دفتر التحملات الخاص باحترافنا ، خلية (أو لجنة كباقي اللجن الموضوعاتية) أمنية يعهد لها بالتنسيق المستمر مع جمعيات المحبين التي يجب أن تعمل في إطار قانوني و جهاز الأمن الوطني و هو ما سيمكننا من التوفر على تلك اليد القوية التي تدقق و تحقق و تسيطر و تبتر أي عضو يحاول إثارة الشغب.
كل ما ذكرناه سالفا يدفعنا إلى الأخذ بالتجربة الإنجليزية التي حققت نجاحا مبهرا بعد كارثة ملعب هيسل الشهيرة لأن التدبير التشاركي و التعاون بين مختلف المتدخلين ، كما سلف الذكر ، سيسهل مأمورية مصالح الأمن بمنع كل مشجع مشاغب من حضور مباريات فريقه المفضل لمدة معينة قد تصل إلى عدة سنوات. و للتأكد من تطبيق العقوبة تقوم الدائرة الأمنية للمنطقة التي يقطن بها المشجع المعاقب باستدعائه يوم المباراة و يتم التحفظ عليه إلى غاية نهاية المباراة. الاستفادة من النمودج الإنجليزي سيمكن بالخصوص من التوفر على حلول مناسبة لكل حالة بدل الاكتفاء بعقوبة خوض المباريات بدون جمهور (يجب الإبقاء عليها رغم ذلك) التي لم تحد من الظاهرة بل أصبحت عقوبة تجاه الفرق و ماليتها أكثر منها ضد المشجعين المشاغبين.
و إذا كانت الوقاية خير من العلاج فالإعلام الرياضي و المجتمع المدني لهما دور وقائي و أساسي للحد من تفاقم شغب الملاعب. الأول بالمساهمة بأنشطة توعوية على المستوى المجتمعي كالاحتفال باليوم الدولى للتسامح الذى حددته الأمم المتحدة فى السادس عشر من نوفمبر سنويا ، و تطلب من الدول الاحتفال به من خلال الدعوة إلى نشر التسامح بين الأفراد (و الشعوب) و التاني بتكثيفه للوعي الفكري خاصة لدى الأجيال الصاعدة بكون كرة القدم و الرياضة بصفة عامة تنافس شريف ، فوز وهزيمة ، تسامح وأخلاق و هو ما يمكن أن يرسخ على المستوى المجتمعي ثقافة تقبل الآخر (رغم اختلافه) فى كل مجالات الحياة.