بعد قرار الملك بإنهاء تكليف السيد بنكيران من رئاسة الحكومة و تشكيلها ، و قبل إتمام مضمون القرار الملكي القاضي بتكليف شخصية ثانية من حزب العدالة و التنمية لتشكيل ذات الحكومة المؤجلة منذ خمسة أشهر ،لا بد من الوقوف بالتحليل الموضوعي عند هذه المحطة باعتبارها مفصلية في تشكيل الحكومة ، و في اختبار المسار الديمقراطي بالمغرب :
فمن حيث دواعي الإعفاء ، فالأكيد أن انتظار أكثر من 5 أشهر يبقى كافيا لاتخاذ القرار، بحكم التأخر و الهدر الذي يعرفه الزمن السياسي ارتباطا بالمؤسسات و الأدوار الموكولة للحكومة ، و حتى البرلمان ، فمن الصعب الآن تدارك المهام التي كان من المفروض أن تكون قد أنجزت من قبل الجهازين التنفيذي و التشريعي ، و مشروع قانون المالية المؤجل يبقى نموذجا، مع التذكير بالكلفة .
ومن الناحية الدستورية ، فالملك مارس صلاحياته من داخل الدستور من خلال الفصلين 42 و 47 معا ، بكونه الساهر على احترام الدستور و المؤسسات الدستورية – الفصل 42- ، ثم الفصل 47 ،أي تعيين رئيس الحكومة من الحزب الحائز على أكبر عدد من مقاعد البرلمان و المتصدر لنتائج الانتخابات التشريعية . رغم أن الملك لم يلجأ إلى “التحكيم ” كما كان يطرح أو يأمل البعض و حتى بنكيران نفسه .
و الأكيد الآن أن العملية أصبحت أكثر تعقيدا من الأول ، وقد تكشف على الشكل و الطريقة التي أديرت بها المشاورات و سبب البلوكاج أو الأزمة ، و الضغط كله صار داخل حزب العدالة و التنمية . فإذا افترضنا جدلا أن العدالة و التنمية قبل التضحية ببنكيران ، و الاستمرار في قيادة الحكومة ، فهذا يعني أن بنكيران كان السبب في البلوكاج و طرفا رئيسيا في الأزمة ، وأن الحزب – القيادة على الأقل – كان لها موقف مغاير- و إن كان مضمرا – ، مع الإشارة أن الشخصية المرشحة للمنصب الجديد/ القديم مطلوب منها الرضوخ إلى ما رفضه بنكيران أصلا . وهنا سيكون بنكيران هو الخاسر الأكبر، مع إمكانية التصدع الداخلي للحزب .
أما إذا قرر الحزب التشبث ببنكيران و منهجيته ، و الرجوع إلى المعارضة ، فالوضعية قد تتعقد أكثر ، لأن الأمر يقتضي إخراج و تشكيل حكومة بأي شكل ، وهنا سيكون الخيار، إما تأويل منطوق الفصل 47 من الدستور بتعيين رئيس الحكومة من الحزب الثاني – الأصالة و المعاصرة – ، أو تشكيل حكومة تقنوقراط من أهم مهامها العمل على إعادة الانتخابات في أقرب وقت لتدارك و إنقاذ المسار الديمقراطي بالمغرب ، مع أن إمكانية التعديل الدستوري لتجاوز الفصل 47 تبقى مستبعدة .
وفي انتظار المخرج – وفق تقديرات حزب العدالة و التنمية – فالمحطة ستكون فاصلة في المسار السياسي و حتى التنظيمي لهذا الحزب ، ويبقى بنكيران هو المسؤول الأول على المتاهة التي أدخل فيها حزبه و مشروع الحكومة المجهض بسبب المنهجية التي اعتمدها في التفاوض ، وذلك بطرح و تبني مناقشة و مصارعة الأشخاص ، بدل اعتماد منهجية تنبني على البرامج و الوضوح في التصور الاستراتيجي للحكومة و الدولة . مع أن الإشارات كانت قوية و خصوصا بعد أن فقد الحزب أغلبيته بمجلس النواب .