في اللغة كعائلة…
«ماذا لو كانت الكتابة
آخر طريقة
للارتماء في حضن الأم…؟»
كان السؤال يساورني، بغير قليل من الدهشة، كما لو أنني معني وحدي بالجواب عنه، كلما ساعدتني المناقشات العامة على طرحه ..
وهي عادة مما تسعفني بإشكالية اللغة: العربية، الدارجة ، اللغات… والمقدس.
غير أن اللغة هي أيضا النحو الكامن في القراءة: وأنا أتابع مناقشات المؤتمر الرابع للغة العربية، جادت سماء الصدفة، أو التزامن بحوار مطول مع الفرنسي «ايريك أورسونا»، الكاتب والأكاديمي وصاحب معجم » الدليل الصغير للغة الفرنسية»..
بنفس التعبير تقريبا
بنفس النَّفَس يقول:«بدأت الكتابة، وكانت تلك أفضل طريقة لكي أحشر نفسي بين حضني أمي وأبي..
وقتها عرفت أن كتابة الحكايات هي طريقة في أن يحبك الآخرون»…
لهذا لا تعيش اللغة بدون حب..
تماما كالحب الذي لا يغامر بوجوده بدون كلمات
والذين يرون غير ذلك، لا يرون في اللغة سوى دليل صغير على حيوية اللسان
أكثر مما هي حيوية الإنسان..
أو توظيف بسيط في صراع السلطة..
أكثر مما هي سلطة المعنى الذي يفوق السلطة نفسها كممارسة للسياسة وتوزيع للرأسمال المادي واللامادي..
يمكن أن تحيل اللغة إلى تعب السياسة، وتبقى هي وتموت كل الأطروحات حولها،
وإذا لم ننتبه إلى تراكبات وجودها قد نضيع السؤال الحقيقي:
أي سؤال في اللغة لا يطرح جدرها* اللاهوتي هو نصف سؤال..
ومن لا يعتبر اللغة .. عائلة، بكل ما تعنيه العائلة فهو يسقط في لغة بلا تاريخ
ولا دم
ولا كناش للحالة المدنية للوجود..
وبلا أنساب تتطور
وتتغير
وتتناسل
وتتزاوج مع وفي عائلات أخرى، لغات أخرى ..
وتحويل اللغة، إلى عرق خدمة كبيرة لمن هم ضدها!
بمعنى إغلاق الباب عليها داخل الصفاء العائلي
والصفاء العقائدي
والصفاء اللاهوتي..
ايريك اورسونا قال كلمة بليغة: هل تجد اللغة ، وهي الفرنسية هنا معقدة:
فقال: التعقد، هو الدقة!
يا سلام..وقارنها بالطبخ أو بالمطبخ
تحديدا..
اللغة تشوى
وتقلى
وتقدم بالتوابل
وبدونها.. كما هناك
لغة للمصابين بداء السكري
ولغة للمصابين بالكوليستيرول الفصيح..
ممن عليهم تفادي دسم الطباق
ودهون الجناس ..
في غير موضع!
اللغة عندما تشبه المطبخ قد تكون عسيرة الهضم أيضا..« ويمكن أن تتغذى بأقراص صيدلية والاكتفاء ب200 كلمة فقط«، كما قال الفرنسي الأديب..
اللغة عائلة..
لا يمكن أن «نحرر» الأطفال من لغتهم
بدون أن نحررهم من عائلتهم!
والبحث عن ترهيب من لا يقتصر على اللغة الأم
هو »تجريد» اجتماعي وسياسي..
لا يقل خطورة عن الحرمان من اللغة كعائلة..
بيولوجية وأدبية..
فالعزل اللغوي قد يكون بنفي المتكلم إلى لغة لم يعد العالم يسمي بها نفسه
أو أشياءه..
فصحي في المعلقات
أو بالقطيعة باسم متداول
بلا حياة …
ولا حساسية..
ولا طراوة..
إن اللغة ليست معجما نهائيا:
معجما من حجر
أو من معدن..