في المقهى هذا الصباح تعمدت أن أسأل أحد المواطنين الذي يجلس على مقربة مني ” باقي ما كاين حتى حكومة” كان جوابه بسرعة وكأنه جاهز لمثل هذا السؤال ” بحال كانت بحال ما كانتش” .
لنتأمل هذا الرد بهدوء فهذا القول يعكس رؤية معينة لدى فئة من المواطنيين للشأن السياسي وهو يؤكد أن هذه الفئة لا تعول كثيرا على وجود حكومة من عدمها لحل مشاكلها عكس أولئك الذين يعيشون على أعصابهم نتيجة تأخر تشكيل الحكومة للاضرار التي لحقت بمصالحهم . هناك من جهة فئات عريضة من الشعب تبدو غير معنية بالفصل 47 من الدستور وهناك من جهة اخرى فئات هي المهتمة أكثر بهذه المشكلة ، في السياق يطرح التساؤل لماذا هذه الامبالاة وما هي أسبابها ؟ موضوع طويل تراكمت أسباب متعددة ليست وليدة المرحلة السياسية القريبة ، لكنها كلها ساهمت في تآكل المصداقية السياسية ليس فقط في المؤسسات بل وأيضا في الأشخاص .
منذ أكثر من عشرين سنة تطورت الحركات الاحتجاجية وتنوعت كما تكرست ظاهرة الفئوية التي نهضت على حساب الحركة النقابية وساهمت في إضعافها ، هذه الحركات الاحتجاجية يختلط فيها من لهم حقوق وقع التعسف عليها ومن يسعون فقط إلى إبتزاز الدولة ، الخطورة هنا أن تصل هذه الحركات الاحتجاجية إلى الباب المسدود ويتشكل وعي بلا جدواها .
إن تطور هذه الحركات وتنوعها جاء نتيجة الانفتاح السياسي الذي عرفه المغرب منذ أواسط التسعينات والذي قلل من الهاجس الأمني الذي حكم سياسة الدولة لعقود وأوحى بأن تحقيق المطالب المختلفة يمكن أن يتم عبر الحوار الذي هو آلية ديمقراطية ، لا شك أن هذا الوعي ما زال في بدايته وهو مرتبط بتطور الوعي الديمقراطي وإنتصاره على الوعي المتأخر ( الوعي الديمقراطي والوعي المتأخر مقال تنظيري لتجربة دخول جزء من اليسار في معركة النضال الشرعي ، صدر في أول عدد من جريدة أنوال بداية الثمانينات ).
لماذا عرجنا على الحديث عن الحركات الاحتجاجية في هذه الورقة ونحن نتحدث عن عدم الاهتمام لذى فئات من الشعب بتأخير تشكيل الحكومة ؟
في حقيقة الامر فإن كل الحركات الاحتجاجية التي تضاعفت هذه الأيام ( آخرها إضراب الصيادلة ) معنية بتشكيل الحكومة ، ذلك هو الامر الطبيعي حتى يتسمى لها عرض مطالبها ومشاكلها مع المؤسسة المسؤولة الاولى كما أن غياب هذه المؤسسة يجعل تلك الحركات بدون مخاطب ، وهي تعرف أن حكومة تسيير الاعمال ليس ليدها شيء تعطيه ، فالحكومة الفعلية المؤسسة دستوريا هي التي لها برنامج قد يكون فيه أجوبة تعكس إلتزامات أحزابها التي عبرت عنها خلال الحملة الانتخابية .
ومعنى ذلك أن الحركات الاحتجاجية ستكون أمام وضع جديد يتمثل في كونها مضطرة أولا إلى تنسيق إحتجاجاتها من أجل وجود المخاطب ، وبذلك تعبر على أنها معنية بالوضع السياسي برمته بما فيه تشكيل الحكومة .
سوف يقول قائل بأن هذا الامر سوف يخدم حزب العدالة والتنمية الذي عليه حماية رصيده الانتخابي ودفع كتلته للتعبير والدفاع عن إختياراتها ( كما يحلو للصديق عبد الحق الريكي أن يسميه بشعب الانتخابات ) وقد يصعب على حزب العدالة والتنمية أن يستفيد من تلك الحركات الاحتجاجية لسبب بسيط يتمثل في أن زبناءه منتشرون في فضاءات الهشاشة والفقر وهم يعيشون على إحسانه والجزء المهم من الفئات المتوسطة المنتمية اليه أصبحت موجودة في الجماعات الترابية والجهات مما يعني ذلك من ترقية إجتماعية Promotion social, إضافة إلى قضية أن يصبح لتلك الحركات أفقا سياسيا سوف يخلق صعوبات لحكومة العدالة والتنمية ويجعل مصداقية برامجها في المحك خصوصا وأن هذا الحزب لم ينتقل بعد إلى حزب سياسي .