المستشار الأسبق للرئيس ياسر عرفات، نبيل شعت

لا جدوى من المفاوضات مع الإسرائيليين وبدأنا استراتيجية «جنوب إفريقيا» بفلسطين

حاوره: لحسن العسبي

هو واحد من جيل ما بعد الإنتفاضة الفلسطينية الأولى، ومن جيل السلطة الوطنية الفلسطينية، والمستشار الأسبق للزعيم ياسر عرفات، ونائب رئيس الوزراء برام الله، بعد أن كان وزيرا للإعلام ووزيرا للتخطيط والتعاون الدولي في حكومة أحمد قريع. نبيل شعت، الذي حضر أشغال تأسيس المنتدى العربي الديمقراطي الإجتماعي بالرباط، أيام 24 و 25 يونيو 2010، التقيته مباشرة بعد الجلسة الإفتتاحية للمنتدى، الذي ألقى فيه كلمتين هامتين، واحدة باسم الوفود العربية في الجلسة الإفتتاحية، والثانية باسم حركة فتح، في الجلسة الأولى لأشغال المنتدى، والتي خلقت صدى إيجابيا لتأسيسها على نقد ذاتي للتجربة النضالية العربية والفلسطينية وإعلانها دخول النضال الوطني الفلسطيني مرحلة استراتيجية جديدة. فكان هذا الحوار، المؤطر بالسياقات الفلسطينية والسياقات العربية والسياقات المغربية.
الدكتور نبيل شعت، من مواليد صفد بقطاع غزة، سنة 1938، هاجر والده إلى الإسكندرية بعد 1948، من يافا التي كان يعمل بها مدير بنك، رفقة والدته اللبنانية. درس في الإسكندرية الإقتصاد، قبل أن يهاجر إلى أمريكا للحصول على الدكتوراه في إدارة الأعمال من معهد وارتون العالمي التابع لجامعة بنسلفانيا. درس بالجامعة الأمريكية ببيروت، ثم بالجامعة الأمريكية بالقاهرة، أسس عددا من الشركات التجارية، وعمل خبيرا اقتصاديا عند عدد من المؤسسات المالية العربية، قبل أن يعينه الرئيس ياسر عرفات مستشارا له. عاد إلى غزة بعد تأسيس السلطة الفلسطينية ونجح في الإنتخابات البرلمانية نائبا عن خان يونس. قبل أن يتحمل حقائب وزارية.

أود أن أبدأ معك أستاذ نبيل شعت، بالحدث الجديد، فلسطينيا، الذي كان له صدى خاص في مختلف وسائل الإعلام العربية والدولية، بما فيها التلفزيون الإسرائيلي، وهو فوز الفنان الشاب، إبن غزة، محمد عساف بمسابقة «آراب آيدل». لقد كان في ذلك الفوز ما فيه من معاني سياسية أيضا. وحين وصفه الفنان اللبناني راغب علامة ب «صاورخ من غزة»، فللأمر دلالاته الرمزية. كيف تقرأ أنت من موقعك كرجل سياسة فلسطيني هذا الحدث الفني؟

هو حدث مفرح. أتبث أننا لسنا وحدنا، وفي مسيرة شعب مناضل مثل مسيرة شعبنا الفلسطيني، فإنه في حاجة لانتصارات، ولو أنها ليست كبيرة في حد ذاتها. كونها ليست انتصارا عسكريا، أو لا تحقق استقلالا في حد ذاتها، لكنها تعطي للشعب المناضل أملا وتفاؤلا مهما جدا، وتفتح أمامه دعما كبيرا من الناس. وهذا هو ما قام به محمد عساف. لقد حصل على 67 مليون صوت، وترتيبهم كالآتي: فلسطين، المغرب، الجزائر، تونس. هذه الشعوب هي الأكثر تصويتا له بالترتيب الذي توصلت به. وإذا كان حقيقة كل العرب فرحوا لفوزه، وصوتوا له، لكن أعلى الأصوات جاءته من المغرب والمغرب العربي. وما سجل هو توحد للفلسطينيين سواء داخل حدود 48 أو في الضفة وغزة وفي الشتات، الذين رأو في محمد عساف جزء عزيزا منهم، وأنه حقق لهم انتصارا يمنحهم استعدادا أقوى للصمود حتى يحصلوا على الإنتصار الأكبر. بالتالي، فهو حدث مفرح. ثم لا تنسى يا أخي أنه هو من غزة وأنا من غزة، ومنطقتنا محتاجة جدا للأمل والفرح وأسباب الصمود. حركة فتح انبتقث من غزة، حركة حماس انبتقث من غزة، الإنتفاضة الأولى والثانية انطلقت من هناك، وحتى الكفاح المسلح، بالتالي فحتى محمد عساف، كما قلت إنه «صاروخ من غزة» انطلق من هناك.
– هذا يحيلني على السؤال السياسي. كيف يقرأ الأستاذ نبيل شعت، التراجع المسجل إعلاميا للقضية الفلسطينية، أمام الحضور الضخم غير المسبوق لتفاصيل الحراك العربي؟. أي أمام بروز خبر تحرك رجل الشارع العربي المطالب بحريته، والذي غير معادلات عدة بعالمنا العربي، مما حول الإهتمام بالقضية الفلسطينية إلى درجة ثانية.
* لا يقلقني إطلاقا أن يأخد الربيع العربي اهتمام الإعلام الدولي والعربي، والرأي العام الدولي والعربي، وأيضا اهتمام الفلسطينيين، لأن الذي يقع يعنينا مباشرة كشعب فلسطيني معركتنا طويلة. فمنذ قرن ونحن في كفاح مفتوح بتضحيات جبارة، من أجل الوجود والإستقلال والحرية. وأن يتم التغيير الديمقراطي بالعالم العربي هو قوة كبرى لنا في المستقبل. فالربيع العربي حين سينجح في ترسيخ الديمقراطية والكرامة ودولة المؤسسات العصرية والنماء الإقتصادي، هو دعم هائل لنا حينها. علينا الإنتباه، أنه لم يقف العرب معنا موقفا مؤثرا وازنا سوى سنة 1973 مع حرب أكتوبر، واستعمال سلاح البترول. بالتالي، فمجتمعات عربية قوية بحكومات ديمقراطية شرعية قوية، سيغير معادلات مصالح عدة بالمنطقة، لا يمكن إلا أن يكون سندا فعليا ومؤثرا لصالح قضيتنا العادلة. لأنه سيمنحنا أوراقا هائلة في توازنات القوى الدولية، خاصة بإزاء القوة الأكبر الداعمة لإسرائيل وهي أمريكا.
بالتالي، نحن مطمئنون تماما، أن الحراك العربي ونتائجه في المستقبل القريب والمتوسط والبعيد، هو في صالح قضيتنا الوطنية العادلة.

لو ربطنا الأمر، بما يحدث في سورية، الذي هو ملف معقد ومتشابك وخطير، ويسجل جرائم بشعة. كيف تقرأ تطورات هذا الملف، في بعده الإقليمي، في العلاقة مع إيران كفاعل إقليمي وازن، وفي العلاقة مع إسرائيل ومع باقي الجوار؟

نعترف أن ما يحدث في سورية كارثة. وإذا تطورت الأمور صوب تقسيم البلد إلى أربع دويلات فهذا كارثة بكل المقاييس. والسعي إلى تشجيع فتح أسباب الحوار هو السبيل الأسلم هناك، لأنه لا غالب ولا مغلوب هناك، فسورية هي المهزومة كيفما كان الغالب، خاصة أمام البشاعات التي تحدث هناك وتدمير بنى الدولة. حقيقة، كانت إسرائيل تقيم حسابا لمصر وسورية فقط، واليوم هي مرتاحة وتختار أن تضرب مفاصل استراتيجية عسكرية وأمنية في سورية بكل حرية. أما بخصوص الدور الإيراني، فلست متحمسا كثيرا لتضخيمه أكثر من اللازم، لأن الإعلام الغربي (خاصة الأمريكي) سلط عليه الضوء بشكل مبالغ فيه. وللأسف كان أحمدي نجاد يمنحهم الأسباب لذلك بتصريحاته، وكان نتنياهو لا يريد سوى مثل تلك التصريحات للخروج بمواقفه التهديدية المعلنة، مما كان يساعد في تهميش القضية الفلسطينية. ونتمنى أنه مع انتخاب الرئيس الجديد روحاني، ستنزل حمى الإهتمام بإيران. هي دولة إقليمية وازنة بدون شك، لكن علينا أن لا نمنحها أكثر من حجمها الحقيقي. والتحدي هو أن نبني ذواتنا عربيا كنظم ديمقراطية ودول مؤسسات حديثة، حتى نتعامل مع إيران ومع غيرها بما يخدم مصالحنا الإستراتيجية.

ما يسجل اليوم، في الملف الفلسطيني، في مواجهته لدولة احتلال عنصرية مثل إسرائيل، هو توقف كل شئ في ما يشبه الجمود المطلق. بينما تل أبيب تواصل مخططاتها الإستيطانية. ما الذي وصلتم إليه من قرار ومن حل لتحريك القضية العادلة للشعب الفلسطيني؟

لم يتغير شئ، فإسرائيل تواصل نهجها الإستيطاني، بعد أن استقطعوا 78 بالمئة من فلسطين التي احتلوها سنة 1948، وما تبقى الذي هو الضفة الغربية وقطاع غزة لا يشكل سوى 22 بالمئة من فلسطين. يسعون لتهويد القدس، وحاصروا غزة حصارا مجرما، ويقضمون كل يوم من الضفة الغربية. بالتالي فالعنصرية الإسرائيلية لا تزال تمارس عدوانها بشكل فاضح. وما يجري من حوار وطني فلسطيني الآن، هو حول استراتيجية المواجهة.
عمليا، نحن كفلسطينيين استخدمنا ثلاث استراتيجيات كبرى. الأولى اقتبسناها من الثورة الجزائرية ومن المقاومة الفيتنامية، من خلال حركة فتح بالأساس في بداياتها، التي تتأسس على المواجهة المسلحة من الخارج. تماما كما كانت قوى المقاومة الفيتنامية الجنوبية تنطلق من شمال الفيتنام التابع للمعسكر الشرقي، وكما كان جيش التحرير الجزائري ينطلق من المغرب ومن تونس، حاولنا الإنطلاق من الأردن وسورية ومصر ولبنان، لإضعاف الكيان الإسرائيلي وإلى هزيمته. لكن إسرائيل واحهت هذه الدول جميعها، وأجبرتها عبر حلفاءها، أن تضربنا نحن الفلسطينيين، بدلا من أن تضرب العدو المشترك الإسرائيلي. بالتالي، أخرجنا من الأردن (مجازر مخيمات عجلون سنة 1970)، ثم ضربنا في سورية (مجزرة تل الزعتر سنة 1976)، وأخرجنا من لبنان سنة 1982، بعد حصار إسرائيلي ببيروت دام 82 يوما. فانتقلنا بعد ذلك إلى تجربة التسوية السياسية، التي تأتي بدولة فلسطينية على الضفة وغزة، واستخدمنا في ذلك التفاوض، أولا في مدريد، ثم في أوسلو، ثم في واشنطن وواريفر، وعلى أساسها دخلت القيادة الفلسطينية إلى الداخل وأنشأت السلطة الوطنية وسعت إلى توسيع الإعتراف الدولي بها كدولة على حدود 1967. مرحلة المفاوضات هذه أراها تنتهي اليوم. فلا جدوى من العمل التفاوضي مع إسرائيل التي تعمق احتلالها وترعاها الولايات المتحدة الأمريكية، التي لا تمارس عليها أية ضغوط حتى لتنفيذ ما سبق وتم الإتفاق عليه من قبل والإلتزام به.
لذلك نحن على أعتاب استراتيجية ثالثة جديدة، قد تفضي إلى ما تفضي إليه من حلول، أسميها مرحلة استراتيجية «الجنوب الإفريقية» في النضال الفلسطيني. فنحن نتوجه اليوم من جهة إلى نضال شعبي داخلي للتمرد والعصيان، ومن جهة أخرى إلى حراك دولي شامل لمحاصرة إسرائيل كما حدث مع نظام الأبارتايد بجنوب إفريقيا. ويساعدنا في هذا التحليل عاملان أساسيان، ينضافان إلى القرار الفلسطيني الوطني، من قبل كل الفصائل للصمود في الداخل، هما: الحراك العربي، الذي سيخلق إطارات جديدة وازنة للضغط على واشنطن، لحملها على تغيير استراتيجيتها تجاه العرب وتجاه القضية الفلسطينية وتجاه إسرائيل، حين تقتنع أن مصالحها تستوجب ذلك. بدليل ما حدث في حرب أكتوبر وحرب البترول، التي جاءت على الأقل بتحرير سيناء من الوجود الصهيوني. ثم التغير الجدري المسجل اليوم داخل الرأي العام الغربي وأساسا الأروبي. فدولة مثل ألمانيا، في آخر استطلاع للرأي، 76 بالمئة من شعبها يريد من حكومة برلين الإعتراف بدولة فلسطين، وأن تواجه العنصرية الإسرائيلية، المخالفة للقوانين الدولية وضمنها قوانين التعامل الإقتصادية للإتحاد الأروبي. ونسعى أن نصل عبر استثمار هذين العنصرين الجديدين، إلى تحقيق حصار دولي شامل على إسرائيل كدولة عنصرية مثلما تحقق من قبل ضد جنوب إفريقيا، التي منعت من الحضور في المؤسسات الدولية وفي المنافسات الرياضية العالمية ومن المنظمات الإقتصادية العالمية.
بالتالي، بتكامل موقفنا الوطني الفلسطيني في الداخل مع نتائج الحراك العربي، مع تغير الوعي العمومي حول طبيعة النظام العنصري الإسرائيلي في الغرب، كلها عوامل تؤكد أننا على أعتاب مرحلة جديدة في استراتيجية النضال الفلسطيني، أسميها «المرحلة الجنوب إفريقية في المقاومة الفلسطينية».

هذا يحيلني على سؤال مزدوج. هل هذا نجد ترجمته في معركة انتزاع كرسي الدولة بالأمم المتحدة، ثم معركة اليونيسكو الهامة؟ وثانيا، هل نستطيع القول أن النخبة الفلسطينية الجديدة التي ستقود هذه المرحلة النضالية قد تبلورت، أم أنها لم تتلبور بوضوح بعد؟

عندنا فريق فاعل جدا. أنا عضو فيه، واشتغلنا بقوة في الأمم المتحدة، مثلنا اشتغلنا بفعالية في قارتين. أولها أمريكا اللاتينية، التي تهمنا كثيرا، لأنها تقدم دليلا تحرريا بعد قرن من تحقيق استقلال دولها، حيث أتت بنظم ديمقراطية، بعد نضال طويل، حققت الحرية والعدالة الإجتماعية وبنت الإطار الإقتصادي الوطني الذي حررها من الهيمنة الأمريكية، وعزز عندها أهمية حقوق الإنسان. لذلك 34 دولة من هذه القارة تصوت لصالح فلسطين بقيادة البرازيل، في الأمم المتحدة. وهذه الإعترافات حصلنا عليها جميعها فقط خلال سنة 2010. ولقد سافرت كثيرا إلى هناك لعلاقاتي الخاصة مع الرئيس البرازيلي، المناضل النقابي الأسبق، لولا داسيلفا ومع خوسي موخيكا (رئيس الأوروجواي)، ومع كريستينا دي كيرشنر (رئسة الأرجنتين)، إضافة إلى تشافيز بفنزويلا وكاسترو بكوبا. بفضل ذلك كله، تمكنا من تغيير تشكيلة الأمم المتحدة. والقارة الثانية هي أروبا، حيث في التصويت الخاص باعتراف الأمم المتحدة بفلسطين كدولة عضو مراقب، دولة واحدة هي التي صوتت ضدنا وهي التشيك، رغم أن لنا سفارة هناك ببراغ وهي معترفة بنا كدولة، لكنها امتثلت للضغوط الأمريكية. وحراكنا أكبر في دول أروبا الشرقية. ولقد وصلت إلى المغرب من بلغاريا وعملنا هناك كبير بفضل عودة التيارات الديمقراطية الإجتماعية للسلطة بتلك الدول.

هناك سؤال مقلق عربيا، عند الرأي العام العربي، المتعلق بالمصالحة الفلسطينية. أين وصلت الأمور. فهي تكاد تراوح مكانها بشكل عبثي؟.

للأسف الربيع العربي لعب دورا سلبيا فيها، بسبب أن توقعات إخواننا الإسلاميين في حماس، قد اعتبرت أنه ما دام التيار الإسلامي قد فاز، فإنه سيصل قريبا إلى شواطئ غزة، بالتالي لماذا سيتفقون معنا في فتح إذن، وما عليهم سوى انتظار قيام الدولة الإسلامية في مصر لأن ذلك سيقويهم كما يتصورون. وفي لقاء لي مع مستشاري الرئيس المصري محمد مرسي، قلت لهم: نحن رأينا في الربيع العربي بمصر قوة لنا في مواجهة إسرائيل، بينما إخوتنا في حماس يرون فيه للأسف قوة لهم في مواجهتنا نحن في فتح. والحقيقة أن مصر لن تكون قط طرفا في انفصال فلسطين. ورهان حماس خاطئ، وبعضهم تيقن من ذلك، مثل الدكتور خالد مشعل. والقناعة بدأت تتوسع أكثر أن الحل هو فلسطيني فلسطيني، ونحن رسميا، اليوم، ننتظر يوم 8 غشت القادم الذي سيتم فيه رسميا تشكيل حكومة الوحدة الوطنية التي ستشرف على الإنتخابات. من جهتنا ما زلنا ملتزمين بإصرار بذلك، ونتمنى من إخوتنا في حماس أن يصدروا عن ذات الإصرار. ولست متشائما في هذا الباب. وربما رأيت معنا يوم 4 يناير الماضي، أن مليون و 200 ألف فلسطيني نزلوا لغزة للإحتفال بذكرى انطلاقة حركة فتح، ومرت الأمور بسلام ولم يمزقوا ولا علما واحدا لحماس، ولم يسقط ولو ضحية واحد. وقعت فقط حادثة واحدة لشاب صعد إلى عمود كهرباء لوضع راية فلسطين وراية حركة فتح على قمته، فضربته صعقة كهربائية نقل على إثرها للمستشفى وأعلن رسميا أنه توفي وأدخل ثلاجة الموتى، وبعد ساعتين استفاق وبدأ يدق أبواب الثلاجة (ضحك)، حتى هذه الحادثة عنوان للأمل وعودة الروح للوحدة الفلسطينية.

حضورك إلى المغرب، جاء في سياق حضور فعاليات تأسيس المنتدى العربي الديمقراطي الإجتماعي، الذي هو خطوة سياسية تنظيمية غير مسبوقة وواعدة. كيف تقرؤون فلسطينيا مبادرة مثل هذه؟. أليس الحراك العربي سببا فيها وأن له الفضل الكامل في تبلور وعي تنظيمي مماثل عربيا؟

نحن أقرب، في حركة فتح الفلسطينية، إلى هذه العائلة التقدمية والوطنية. فهذا بيتنا في نهاية المطاف. لكن ذلك لا يعني أننا نتموقع مسبقا ضد أي قوى أخرى. بالتالي، فوجود تكثل عربي مماثل، أحد أهدافه يصب في دعم فلسطين.

في كلمتك في الجلسة الإفتتاحية، أحلت بذكاء على تجربة أمريكا اللاتينية، هل العالم العربي الآن نضجت فيه الأمور إلى الحد الذي نطمع فيه بتكرار تجربة شعوب تلك القارة ببلادنا العربية؟

بلا شك، وأؤمن بذلك عاليا…

هل لليسار دور محوري في ذلك عربيا؟

طبعا. ففي النهاية، علينا تأمل تجربة أمريكا اللاتينية حين برزت فيها أيضا محاولات دينية في زمن من الأزمنة. مثلا، تجربة إيفا بيرون، ذات مرجعية دينية تقديسية. دور الكنيسة المسيحية الكاثوليكية في مرحلة من المراحل واضح. وقوى اليسار هناك استنفدت 25 سنة من النضال المتواصل والمنظم لتنتصر كمشروع مجتمعي. ونستطيع اختصار الوقت عربيا بالتعلم من تلك التجربة لتحقيق ذات التحول الإستراتيجي الهام. ورغم كل ما قامت به واشنطن في دعم الديكتاتوريات هناك، فهم اليوم ليسوا أعداء لأمريكا، لكنهم مستقلون عنها وند لها، ويتعاملون معها بمنطق توازن المصالح. ولو أخدنا نموذج الرئيس البرازيلي لولا داسيلفا، فهذا المناضل النقابي تعرفت عليه أولا في المغرب، ثم تعمقت علاقتي به في ما بعد بالجزائر، فهو مناضل يخرج من سجن ليدخل سجنا آخر، وانتهى أن أصبح رئيسا لأكبر بلد في أمريكا اللاتينية. وهو طاقة دعم هائلة لقضيتنا الفلسطينية. مثلا، يوم غادر الحكم، وفي يوم تنصيب خليفته، أتى لنا ب 14 اعتراف بالدولة الفلسطينية في أمريكا اللاتينية. هو الذي رتبها بالكامل.

المغرب، وبرؤية نقدية غير مجاملة، هل لا يزال رسميا وشعبيا (خاصة في قواه الحية مثل حزب الإتحاد الإشتراكي) داعما مؤثرا للقضية الفلسطينية، أم أنه طاله تراخ في الرقي إلى مستوى ذلك اليقين الراسخ شعبيا في دعم فلسطين، بدليل أن المغاربة مرة أخرى أكبر من صوت على عساف، كواجهة رمزية للتضامن مع أبناء بلدكم؟.

لم يتغير أبدا الإحتضان الشعبي المغربي للقضية الفلسطينية، وبالأخص الأحزاب الوطنية التقدمية والإشتراكية، وعلى رأسها حزب الإتحاد الإشتراكي للقوات الشعبية، وكذلك للإنصاف والحقيقة حزب الإستقلال. فكلاهما في ذات الموقف الداعم الحاسم لنا مغربيا، حتى على مستوى الضغط على المسؤولين الرسميين المغاربة. أما على المستوى الرسمي الحكومي، فالدور الرسمي العربي كله يمر بمرحلة جمود. وأنا لا ألوم المغرب، فالأمر أكبر في الخليج والمشرق العربي، حيث الناس منشغلون عن القضية الفلسطينية. ولو كان ذلك هو الإستثمار لتحقيق الربيع العربي، ففلسطين رابحة في نهاية المطاف. لذلك ننطلق فلسطينيا، بصراحة، دون الإعتماد على الحكومات العربية، فما تستطيع القيام به تلك الحكومات مرحبا، أما الحقيقة أنه إلى حد كبير نحن نقلع الشوك بأيدينا، على الأقل في هذه المرحلة.

..عن جريدة الاتحاد الاشتراكي …6/27/2013

‫شاهد أيضًا‬

الفيلسوف الألماني يورغن هابرماس يناقض أفكاره الخاصة عندما يتعلق الأمر بأحداث غزة * آصف بيات

(*) المقال منقول عن : مركز الدراسات والأبحاث في العلوم الاجتماعية ألقى أحد الفلاسفة الأكثر…